زايد…ناقص
جمعة بوكليب
على الصفحة الأولى في جريد بريطانية مشهورة، وجنباً لجنب، قرأتُ، خلال اليومين الماضيين، خبرين غريبين. الأول منهما يتعلق بتحذير أصدرته الأمم المتحدة حول مجاعة غير مسبوقة بأفغانستان، وتدهور في الوضع الأمني إلى درجة استثنائية. والثاني يتعلق بتأكيد من مصدر عسكري أمريكي كبير بنجاح الصين في تجريب صاروخ متخصص طويل المدى بامكانه حمل سلاح نووي حول الأرض. السؤال: هل نغضب من الاختراع الجديد المهدد للحياة البشرية، والمبشر بعودة السباق النووي، أم لانتشار الجوع والفاقة والمرض وغياب الأمن في أفغانستان؟
السلاح في أفغانستان، للأسف الشديد، متوفر أكثر من الخبز. المشكلة أن الجوعى لا يمكنهم أكله، أو الوصول إليه لافتكاك خبزهم بالقوة، أو حتى تفكيكه وبيعه خرده. والمال الذي مكّن الصين من اختراع الصاروخ الجديد كفيل باطعام ملايين البشر من الجائعين، في مختلف بقاع العالم. لكن الحسابات الصينية حين تُفعّل وتوضع على مناضد التنفيذ لا تراعي جوعى، وكل ما تراه هو مصلحة الصين، وتفوقها على أعدائها. وأعداء الصين الآن- غربا وشرقاً – يعدون العُدة، ويجمعون الأموال لقبول التحدي التكنولوجي، والتهيؤ لدخول السباق، والسعي للفوز به. ورغماً عن ذلك، فإن الخبرين قد لا يستقطبان اهتمام الناس كما هو متوقع، أويثيران خوفهم أوحزنهم، أو الاثنين معاً. وبالتالي، يكونان باعثا لهم ، في مختلف عواصم العالم، على الغضب، والخروج في مظاهرات احتجاج ضد ما يمثله التهديد الصاروخي النووي للحياة البشرية، أو يطالبون حكوماتهم بسرعة التدخل لانقاذ الجوعى، في تلك البلاد، التي لم تعرف، منذ أكثر من نصف قرن، سوى الحروب والقتل والدمار والخراب والتطرف والتدخل الاجنبي.
ولذلك، أو بالأحرى، رغماً عن ذلك، لاشيء مطلقاً تغيّر على السطح الحياتي للواقع البشري. فالدنيا التي نعرفها، مازالت على عهدنا بها لم تتغير. بمعنى أنها كعجوز تسير سيرها البطيء والمعهود والمضجر من دون توقف، أو التفات لما يحدث فوق سطح الأرض من أحداث وكوارث. والازدحام المروري في مختلف عواصم العالم، وما يسببه من تلوث وأمراض، وما يحدثه من أضرار بيئوية مازال على أشده، ويزداد كثافة، رغماً عن أنف كل المنظمات التي تدعو إلى حماية البيئة. والخلاف العلني بين فرنسا وبريطانيا على مناطق صيد الأسماك يزداد تدهوراً كل يوم، ويتم تبادل التصريحات والتهديدات من قبل المسؤولين في البلدين على جانبي القنال. وفي ليبيا بدأت الحملات الانتخابية الرئاسية فعلياً، وبخطى سريعة مؤخراً، بعد البطء الذي شهدته في الأسابيع الماضية. وحظينا بمشاهدة أول اعلان رسمي بالترشح من قبل ممثل كوميدي معروف ومحبوب. وأعلن رئيس الحكومة فتح خزائن الدولة مرة ثانية أمام الراغبين في الزواج من الشباب لاكمال نصف دينهم، على أمل الفوز بأصواتهم في الانتخابات القادمة. والجوعى في أفغانستان، أو في قمرستان، أو جزر واق الواق المذكورة في مغامرات سندباد، سيظلون على ما هم عليه من جوع. ولا شيء سيتغير في ايقاع الحياة،. لا شيء سوى الأرقام التي ستتفاقم في قائمة الاحصائيات التي تصدرها المنظمات الأممية والأهلية المختصة، حول أعداد الهالكين من الجوع. والجوعى في أفغانستان سيكون مصيرهم مثل مصير نظرائهم في اليمن، ومن قبلهم في جنوب السودان، والحبشة، وهاييتي…إلى آخر القائمة. ورغماً عن ذلك، مازالت أغنية المرحوم المطرب فريد الأطرش ( الحياة حلوة) تلاقي رواجاً بل وتزداد شعبية، وتبث باستمرار في القنوات التلفزية، ومحطات الاذاعات المسموعة، وعلى مواقع الانترنت، ويستشهد بها في العديد من النقاشات. ومازالت مباريات كرة القدم تستقطب أهتمام المليارات من البشر.