في مشهد فيدرالي هجين تتنازع المواطن الليبي قوانين وقرارات تنفذ في مناطق دون أخرى على مساحة جغرافية نسميها الوطن، آخرها كان إعلان الحكومة الليبية برئاسة “أسامة حماد” الإربعاء الماضي خلال اجتماع تشاوري مع مصرف ليبيا المركزي موافقتها على مقترح رفع الدعم عن الوقود والمحروقات وإعداد آلية مناسبة لتنفيذه، بعد نحو 11 شهر من رفضها لتصريح رئيس حكومة الوحدة الوطنية “عبد الحميد الدبيبة” بأن رفع الدعم عن المحروقات (قرار لا رجعة فيه) دون أن توضح لنا ما الذي تغير خلال هذه الشهور!
بين فينة وأخرى يثار موضوع رفع الدعم عن المحروقات وتتباين الآراء بين مؤيد ومعارض، وتفتح وسائل الإعلام براحاتها لتنافس النشطاء والمحللين من كلا الطرفين، وللرد على أسئلة المواطن تتصدر التبريرات عبارة (للقضاء على التهريب)، ويصعب إقناع المواطن بهذا المبرر فهو يعرف أن التهريب الحقيقي ليس عبر براميل 20 أو حتى 50 لتر في رحلة علاجية برًا لتونس أو غيرها، بل هو من النوع الذي تحدث عنه النائب العام “الصديق الصور” في مؤتمر صحفي في مارس 2018م وقدم بشأنه فيضًا من المعلومات والإحصائيات وحتى الأسماء.
(القضاء على التهريب) غاية نبيلة لكن من سيدفع ثمن الوصول إليها؟ ومن أكّد أن رفع الدعم هو الوسيلة التي تحقق التوافق بين حساب البحري وحساب الرايس في بلادنا مترامية الأطراف والتي فككت سككها الحديدية منذ ستينيات القرن الماضي وباعتها وقاطراتها خردة، ولديها جهاز لتنفيذ وإدارة مشروع الطرق الحديدية أنفقت عليه ما يزيد عن 27 مليون دينار ليبي منذ بداية يناير إلى نهاية نوفمبر من العام الجاري ناهيك عما قبلها منذ إنشائه، وظلت تنتظر إطلاق القطار لتلحق بكل العالم، ولديها شركة وطنية للنقل البحري لكنها لا تنقل الركاب من وإلى مدن تقع على ساحلها الممتد لأكثر من 1700 كيلومتر، ولديها شبكة طرق برية تهاوت تحت عجلات شاحنات النقل المحملة فوق الوزن القانوني وهي تنهب البر من أقصى الشرق والغرب والجنوب، لديها نقل تتقاسمه سيارات الأجرة مع حافلات (أفيكو) في غياب حافلات النقل العمومي محددة التسعيرة، ولديها قطاع عام يستنزف ميزانية الدولة وسفارات حتى في الدول التي لا توجد لنا فيها مواطنين أو مصالح تحتاج الرعاية، تصدر النفط وتستورد المحروقات، وترمي أموالها هبات أو ودائع في مصارف العالم دون فوائد، تستبدل أو تقيل مسؤولين دونما محاسبة، وتستضيف آلاف العمالة المهاجرة دونما ضرائب للإقامة والدخل وأغلبهم يستهلكون الكهرباء والماء مجانًا ويسيطرون على المزارع وأسواق الجملة ويرفعون تباعًا أسعار ما يقدمونه من خدمات منزلية أو عارضة دون تدخل منها، ولديها مؤسسات مهمتها التخطيط العلمي الجيد قبل إصدار القرار نأمل منها إطلاع الشعب على الأسعار المتوقعة للسلع والخدمات بعد رفع الدعم وقدرة المرتبات على تحملها وكبح التضخم، وعلى البدائل وضمانات وصولها للمواطن الذي مازال ينتظر الوفاء بالوعود التي تلقاها عند رفع الدعم عن السلع منذ نحو عقدين!