منصة الصباح

على هامش مهرجان ليبيا السينمائي

ككثيرين غيري ربما، انتابتني مشاعر سلبية إزاء مهرجان ليبيا السينمائي الدولي للأفلام القصيرة بمجرد الإعلان عنه، قلت في نفسي ماذا يفعلون؟ كيف لبلد جمدت السينما في متحف التاريخ، وهدمت بعض دور العرض وخصخصت البعض الآخر وتحول كثير منها لنشاطات لا علاقة لها بالسينما أو بالفن أصلاً، أنشأت هيئة عامة للسينما وجمعت تحتها المسرح والفنون، وألقتها في البحر محذرة إياها من البلل!، كيف لها أن تقيم مثل هذا المهرجان؟!

لقد مرت عقود منذ أقفلت آخر دار عرض وأكثر منها منذ أنتج آخر فيلم سينمائي ليبي، وظل المواطن الليبي يفتقد لمكان يذهب إليه هو وأسرته كلما سمح وقته لينتشي بإنتاجه المحلي وينهل من ثقافة ترتقي بها روحه وسط مساحات الجفاف القسري التي ما فتأت تتوسع على حساب هويته وفكره وقضاياه.

لكن المهرجان بدأ واختتم، ولاقى حضورًا قويًا ورافقه جهد إعلامي متميز، حضرت إحدى أمسياته ما بين ندوة وعروض لبعض الأفلام من مصر والجزائر وليبيا، وأراهم جديرين بتحيتي وتقديري على هذا الجهد الكبير، لقد نجحوا في إشعال شمعة تضيء لمن يجلس لاعنًا الظلام، وحاول المهرجان لفت الانتباه لحاجة المواطن الليبي للسينما والمسرح، ونجح في توفير براح ليبي تلاقت فيه الثقافات والفنون لأكثر من بلد، والتقى المتخصصون والمهتمون كل ناقش الوضع وفق مفهومه وهمومه ووضع مقترحات للحل، لابد للقطاع الخاص من أن يعي دوره ويقوم به، ولابد للدولة من تقديم الدعم السخي والنوعي بتخطيط يحقق الأهداف دونما عشوائية، يجب استعادة دور العرض وإنشاء أخرى وفق معايير حديثة، ويجب أن تعود لصحفنا وإذاعاتنا إعلانات من قبيل (أين تذهب هذا المساء؟) ويجب أن يُسمح للفن أن يبني حيث هدم غيره.

من أهم رسائل الفن أن يناضل ويدخل في صراع لتغيير ما يجب تغييره، كفانا صراعات الحروب والأسلحة ولندعم أدوات أخرى أنظف وأكثر تأثيرًا، إن فيلم الفنانة “ماجدة الصباحي” أنقذ المناضلة الجزائرية “جميلة بوحريد” وحرّك الرأي العام العالمي وأحرج فرنسا وأجبرها على التراجع عن إعدامها، وفيلم قصير عن القتل جعل بولندا تلغي عقوبة الإعدام من تشريعاتها، وفيلم “كلمة شرف” للفنان “فريد شوقي” كان السبب في استحداث قانون مصري جديد يسمح للسجناء بزيارة عائلاتهم في حالات الوفاة وغيرها، فيما أنهى فيلم (أريد حلاً) للفنانة “فاتن حمامة” معاناة المرأة المصرية لتحصل لأول مرة على حق الخلع، لقد ساهم الفن في حسم المعركة الحقوقية والاقتصادية بقوة في أكثر من بلد، وما قام به (الرسالة) من الدعوة للإسلام وما ساهم به فيلم (عمر المختار) من تعريف العالم بنضال الشعب الليبي وفظائع المستعمر الإيطالي فاق الكثير من المقالات والمحاضرات.

وربما بعد سنوات من الحرب والعنف نحن بحاجة لعودة قوية للفن من مسرح ودراما وسينما، بدءًا من المدارس، بحاجة لنشر ثقافة المسرح والسينما لدى العامة، وسينجح الفن حيث أخفقت بقية المبادرات، نحتاج لأن يكون الفن ثقافة ورسالة وأن تكون الأعمال أعمق من مجرد منوعات رمضانية على مائدة الإفطار.

أحلام محمد الكميشي

شاهد أيضاً

خوري تجدد التزام الأمم المتحدة بدعم اللجنة العسكرية في تنفيذ مهامها

جددت القائمة بأعمال البعثة الأممية ستيفاني خوري، التزام الأمم المتحدة، إلى جانب شركائها في مجموعة …