منصة الصباح

أثر الميكافيلية على السياسة الأوروبية

بقلم : سالم الوخي

اقترن تاريخ العالم في بدايات القرن الـ 15 الميلادي أو ما يعرف بالرينسانس أو عصر النهضة الأوروبية ، أو البعث ، أو الميلاد الجديد ، بظهور قادة ومفكرين وحركة شملت شرائح وقطاعات من المجتمع الأوروبي بما فيهم رجال الدين المسيحي ، أطلق عليها اسم حركة الإصلاح الديني أو حركة احتجاج على الكنيسة الكاثوليكية وممارسات باباواتها وأساقفتها …

وعند الحديث عن ( الرينسانس ) لابد من الوقوف أمام شخصية الايطالي الأشهر نيكولا ميكيافيلي ( 1469 – 1529) الذي تطرقت إليه سابقا خلال مقولته الذائعة الصيت ( الغاية تبرر الوسيلة أو المكيافيلية أو البراجماتية) ، التي يقول المؤرخون أنه كان له دور في خروج أوروبا إلى العصور الحديثة ، فقد كان رجلا سيئ السمعة ، إلا انه يعتبر من أهم فلاسفة السياسة الذين وضعوا أساس الدولة القومية الحديثة ، وأول من فصل بين الدين والدولة ، وبين الأخلاق والسياسة في العالم الحديث ، مع العلم بأن ممارسات البابوات والكرادلة في العصور الوسطى المسيحية كانت لا تؤمن ولا تطبق هذا الفصل ..

مفكر ترك أثرا مشهودا في تاريخ الفكر العالمي ، تحكي مدونات التاريخ أن الشموليين والاستبداديين ، تتلمذوا على تعاليمه التي سطرها في كتابه ( الأمير) العابر الحدود الزمان والمكان ، حينما سيطر على العقول والأوطان ودخل التاريخ ولم يخرج منه إلى يوم الناس هذا ..

يكفي القول بأن مكيافيلي ، بدأ حياته متأثرا بسافونارولا ( 1452 – 1498 ميلادية ) الموصوف بالمسيحي الأول الراهب والداعية المشهور بالتعصب الثيوقراطي .

من خلال عدد من الفلاسفة تم تطوير أو تنظير المكيافيلية فلسفيا وسياسيا ، ويتداول في المحافل الفكرية | والفلسفية استخدام مصطلح النفعية ( البراجماتية ) أو ( الذرائعية ) ، وهو ما تم على أيدي عدد من الفلاسفة الغربيين .. والبراجماتية إسم مشتق من اللفظ اليوناني ( براغما)، ومعناه العمل . وفي إحدى تعريفات الذرائعية ، تيار فلسفي أنشأه الفيلسوفان الأمريكيان جون ديوي ( 1859 – 1952) وتشارلز بيرس (1838 – 1914) …

في اعتقادي إن اسم أو صفة المكيافيلية ذاعت وانتشرت أكثر من البراجماتية والذرائعية ، استمرارا للتقاليد العالمية السائدة في التصاق الألقاب بأصحاب ومؤسسي أشهر المدارس والمذاهب الفكرية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية في العالم أجمع … ونماذج ذلك السقراطية والأفلاطونية والأرسطية والهيجلية والماركسية والناصرية والبورقيبية ، وغيرها من مدارس ومذاهب ذائعة الصيت …

والمكيافيلية مستنكرة في معنى من معانيها ، لا تغادر الساحات السياسية والإعلامية والفكرية في عالم اليوم بما تحمله من مضامين تحرض الحاكم على الخداع ، والتأمر ، والفصل بين السياسة والفضيلة ، وتكريس أدوات الحاكم للاستحواذ على السلطة.. كانت تمهيدا الفلسفة البقاء للأقوى المؤسسة على نظرية عالم الأحياء البريطاني الشهير تشارلز دارون ( 1809 – 1882 )، وكذلك فلسفة الرجل الأعلى ( السوبرمان ) ، من تنظير الفيلسوف الألماني فريديرك نيتشة ( 1844 – 1900 )، بما تأسس عليهما من حروب عالمية وحركة الاستعمار والنازية والفاشية وباقي التنظيمات العنصرية في العالم الأوروبي والأمريكي .

تقول المصادر التاريخية الموثقة للمكيافيلية أن مؤسسها كان مفكرا وفيلسوفا وسياسيا في إيطاليا عندما كانت إمارات مستقلة متناحرة ، وقد أصبح من الشخصيات التي أسست التنظير السياسي الواقعي ، كما أصدر عدة مؤلفات أخرى لم تصل في شهرتها مستوى كتابه ( الأمير)..

وعن تاريخية الممارسات المكيافيلية فإن صفحات التاريخ تعج بأمثلة عديدة من كافة إنحاء العالم ، تحكي مدونات التاريخ أن الشموليين والاستبداديين ، تتلمذوا على تعاليمه التي سطرها في كتابه ( الأمير) العابر الحدود الزمان والمكان ، حينما سيطر على العقول والأوطان ودخل التاريخ ولم يخرج منه إلى يوم الناس هذا ، حتى أن زعيم النازية الألماني أدولف هتلر احتفظ بنسخة من هذا الكتاب في سريره ليقرأ منه كل ليلة قبل أن ينام ، ومن المعروف أن ستالين المنظر الشيوعي مؤسس ومنظر الشيوعية بالاتحاد السوفياتي ، قرأ الكتاب أيضا …

كما أن بنيتو موسوليني زعيم الفاشية الايطالية ( 1883 – 1945) وصف كتاب ( الأمير) ب ( المرشد الأعلى للدولة ) ، على الرغم من أنه وضعه فيما بعد في فهرس الفاشية للكتب المحظورة كما هي عادة الفاشيين . وتم العثور على نسخة منه لدى نابليون بونابرت في ووترلو وقد أطلق على الكتاب اسم (كتاب المافيا ) مع رجال العصابات. كما أن كتاب ( قواعد حكماء صهيون ) يعتبر شرحا لمقولات ميكافيلي .

الساحة العربية لاتخلو منذ العصر الأموي والعباسي من شخصيات براجماتية ، استثنى منها الخليفة الراشدي الخامس الأموي العظيم عمر بن عبد العزيز ( 682 – 720 ميلادية ) الذي كان من طلائع الفكر التقدمي في الإسلام ، ويمكن الإشارة الى ان إحدى المصادر الدراسية العربية ، سبق وأن أشارت إلى أن عميد الأدب العربي المرحوم الدكتور طه حسين شبه في رسالته الثانية للدكتوراه ، العلامة عبد الرحمن بن خلدون بمكيافيلي ..

وفي نموذج ، ملتصق بالبراجماتية يرصد التاريخ أن والي مصر محمد علي ، أوصي بضرورة الإسراع بترجمة کتاب ( الأمير) الى اللغة العربية ، وحينما ترجم له رماه من بين يديه ، مؤكدا أنه ينفذ المكيافيلية في سياساته قبل أن يقرأها في كتاب ، أي طبقها دون أن يتصفحه لتناغمها مع إرادته الاستبدادية ..

والدليل العملي التطبيقي لإيمانه بالمكيافيلية المذبحة الشهيرة التي اقترفها بالقلعة في القاهرة ضد المماليك ( عام 1811)، مقتديا بأحمد باشا القرماللي (16861745)، مؤسس الدولة القرمالية بليبيا بين عامي ( 1711 – 1835 )، في مذبحته الشهيرة ضد زعماء الانكشاريين بأحد المنازل بمنشية اطرابلس الغرب ، حينما دعاهم الي وليمة في تجسيد واضح الامتداد حبال وتراث العنف والانتقام بالساحات العربية ..

ويقيني أن العرب ليسوا استثناء في هذا الجانب ، فممارسات وطبائع الاستبداد والسلطوية قديمة قدم الإنسان ، الا أن قتامة سحب الاستبداد في الوطن العربي والاسلامي لم تنقشع ولم تنجل ، الآ في عهد النبي الأكرم محمد صلى الله عليه وسلم ، في فجر الإسلام الحنيف وعصر الخلفاء الراشدين رضوان الله عليهم ، وندعو الله ألا تتكاثف سحب الشمولية والدكتاتورية ، أو تتأبد وتزداد التصاقا بالفضاءات العربية ، وتمسي روتينا كارثيا في الحياة العربية السياسية ..

ومن أبرز أقوال ميكيافيلي :

– الأسد لا يستطيع حماية نفسه من الشراك ، والثعلب لا يستطيع الدفاع عن نفسه من الذئاب. لذا يجب أن يغدو الإنسان ثعلبا ليعرف الفخاخ ، وأسدا لتخويف الذئاب.

– لفهم طبيعة الشعب المرء يجب أن يكون أميرا ، وإلى فهم طبيعة الأمير المرء ، يجب أن يكون من الشعب.

شاهد أيضاً

“جزء ثالث قريبًا”.. ريم حنا تفاجئ جمهور “الفصول الأربعة”

كشفت الكاتبة السورية ريم حنا عن بدء التحضيرات، للجزء الثالث من المسلسل “الفصول الأربعة”، بعد …