بقلم/ آمنة الهشيك/أستاذة قانون
لئن كانت علانية الإجراءات القضائية، في جوهرها دعامة أساسية لضمان حسن سير العدالة وتطبيق القانون على الوجه الأمثل ، إلا أن تطبيق مبدأ العلانية على مرحلة (التحقيق الابتدائي ) قد ينطوي على مفاسد تفوق منافعه المرجوة وهذا ليس تقويضا للشفافية أو تكتما على الحقائق، بل هي حصانة لجهة التحقيق من التحيز وتأثير الرأي العام.
و صونا لكرامة المتهم من تشويه سمعته والتشهير به في جريمة لم تثبت ، وتطويقا للجناة الذين لم تشملهم بعد يد العدالة من الوقوف على مسار التحقيقات فيسارعون إلى طمس الأدلة وإخفاء آثارها الجرمية مما قد يؤثر على شهادات الشهود الذين لم يُستمع إليهم بعد ، فالسرية هي صمام أمان للعدالة الإجرائية لتكون المحاكمة فيما بعد منصة لعرض أدلة مدعومة بحقائق مادية لا بتأويلات شخصية..
ما المقصود بمبدأ سرية التحقيقات وما موقف القانون الليبي في حالة الإخلال بهذا المبدأ ؟
يمثل التحقيق الابتدائي المرحلة الأولى من مراحل الدعوى الجنائية وهي تسبق التحقيق النهائي أي مرحلة المحاكمة أمام (القضاء الجالس)، و يختص بالتحقيق بحسب الأصل النيابة العامة باعتبار أنها تمثل المجتمع وهي الأمينة على الدعوى الجنائية و جهات أخرى محددة في القانون الليبي على سبيل الحصر .
ويتميز التحقيق الابتدائي بعدة خصائص قانونية أهمها ( السرية) نظرا لما تمثله هذه المرحلة من أهمية حيث ينتهي بالمتهم المطاف إما بصدور أمر بألا وجه لإقامة دعوي جنائية لعدم كفاية الأدلة أو بإحالة القضية إلى المحكمة المختصة .
كما اتجهت التشريعات على الأخذ به.
و لمعرفة حدود هذه السرية لابد من التفرقة بين السرية الداخلية للتحقيق والمتعلقة بالخصوم، والتي أباحها المشرع الليبي لمصلحة الخصوم حيث نص في المادة (62) من قانون الإجراءات الجنائية على أنه يجب إخطار الخصوم باليوم الذي يباشر فيه التحقيق حتى يتسنى للخصوم الحضور مباشرة وبناء عليه القاعدة العامة بالنسبة للخصوم أنه لا سرية في التحقيق ، باستثناء حالات محددة لامجال لذكرها في المقال.
(و بين السرية الخارجية ) أي المعلنة للجمهور ، إذا ما قصده المشرع الليبي هو إلزام سلطة التحقيق بالسرية الخارجية بحيث يحظر أن يكون علنياً كما هو الشأن بالنسبة للمحاكمة .
ذلك أن عدم مراعاة هذه السرية العامة يترتب عليه آثار سلبية على سير العدالة .
ومن أجل هذه الاعتبارات نص المشرع الليبي على حظر افشاء إجراءات التحقيق وما تسفر عنه من نتائج. في المادة (59) من قانون الإجراءات الجنائية واعتبر إجراءات التحقيق وكذلك النتائج التي تسفر عنها من الأسرار وأوجبت على أعضاء النيابة العامة ومساعديهم وغيرهم ممن يتصلون بالتحقيق أو وجدوا بسبب وظيفتهم أو مهمتهم عدم افشائها.
وأقر أن من يخالف هذا النص يطبق عليه نص المادة (239) من قانون العقوبات الليبي الخاصة بإفشاء الأسرار ، والتي تنص على أنه” يعاقب بالحبس مدة لا تزيد على سنة وبغرامة لا تجاوز مائة دينار أو بإحدى هاتين العقوبتين كل من أفشى سرًا من أسرار خاصة أو صناعية أو تجارية أو مهنية علم به بحكم وظيفته أو مهنته أو فنه أو بسببها، وذلك في غير الأحوال المصرح بها قانونًا أو المصرح بها من صاحب الشأن، أو استغل هذا السر لمنفعته الخاصة أو لمنفعة شخص آخر.”