راعية المحرقة
بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
حققت المقاومة الفلسطينية النصر مع الرصاصة الأولى التي أطلقتها في عملية (طوفان الأقصى)، رغم الثمن الباهظ جدا من دماء الشهداء والدمار غير المسبوق الذي ألحقته الآلة الحربية الصهيونية بقطاع غزة المحاصر، من خلال إعادة القضية الفلسطينية إلى صدارة المشهد الدولي كقضية إحتلال غاشم بعد أن كادت أن تتلاشى وتضيع في متاهات الشعار الوهمي الذي يتحدث عن قيام الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية، وهو الشعار الذي دأب على ترديده كالببغاء رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، ومن يرقص في حلبته في رام الله، وجوقة حكام التطبيع والحكام المتحفزين للتطبيع من العرب وأبواقهم المأجورة.
سارعت الولايات المتحدة الأمريكية التي فاجأتها عملية (تشرين) وأربكت حكومة ربيبتها المتطرفة برئاسة الإرهابي العنصري بنيامين نتنياهو، إلى إطلاق خرافة “حق إسرائيل في الدفاع عن النفس” وشيطنة مقاومة الفلسطينيين الشرعية ضد الاحتلال، وجندت آلتها الإعلامية والأقلام المأجورة في العالم العربي لتضليل الرأي العام الدولي في الوقت الذي حشدت فيه قوات التدخل السريع الأمريكية وحركت حاملات الطائرات إلى البحر المتوسط قبالة ساحل غزة وأقامت جسرا جويا لمد قوات الاحتلال بصواريخ وقنابل محرمة دوليا لحرق القطاع المقاوم منها القنابل الفوسفورية.
ومع تطور الأحداث، وتحت ضغط الشارع الدولي الذي بدأت تنكشف أمامه زيف تلك الادعاءات وتمدد قوائم الشهداء من المدنيين الفلسطينيين الأبرياء بينهم ما يزيد عن ثلاثة آلاف طفل، بدأت واشنطن تسوق لحرب الإبادة الجماعية التي تشنها إسرائيل بأسلحة أمريكية على 2.2 مليون مواطن فلسطيني محاصرين منذ 16 عاما في أكبر سجن مفتوح على كوكب الأرض، على أنها حرب لتحرير رهائن مدنيين تقول إن كتائب القسام اختطفتهم من بيوتهم.
تدير الولايات المتحدة التي أكد رئيسها جو بايدن بلسانه أنه صهيوني الفكر والانتماء حرب الإبادة الجماعية التي تشنها قوات الاحتلال الإسرائيلي في قطاع غزة المظلوم وحشدت حاملات الطائرات وقوتها البحرية الضاربة وأرسلت 2000 جندي من قوات النخبة في مشاة البحرية الأمريكية على الأرض لإسناد قوات الاحتلال المتوغلة بريا في القطاع وألقت بثقلها في مجلس الأمن الدولي مستخدمة قوة الفيتو الذي تتمتع به لمنع أي تحرك من شأنه إدانة المجازر التي ترتكبها قوات الاحتلال في قطاع غزة أو تبني أي قرار بإدخال مساعدات إنسانية إلى مليوني مواطن تمنع عنهم قوات الاحتلال الصهيوني الماء والأكل والدواء والكهرباء والوقود، وهي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية لا جدال فيها.
وأمام تعطش قوات الاحتلال الصهيوني إلى مزيد من سفك الدم الفلسطيني وحرق قطاع غزة وتسويته بالأرض وجعل الحياة فيه مستحيلة واستمرار الولايات المتحدة، بوصفها الراعي الرسمي للمحرقة في القطاع، في المشاركة بالسلاح والجنود والدعم السياسي والدبلوماسي في هذه المجازر المنقولة على الهواء مباشرة، يبقى صمت القبور الذي يتبناه النظام الرسمي في العالمين العربي والإسلامي المستسلمين للسطوة الأمريكية والتغول الصهيوني، سيد الموقف.
الشارع العربي والإسلامي المتخاذل اكتفى بالتظاهر هنا وهناك بصورة محتشمة، في حين لم تتحرك كل من مصر والأردن الموقعتين على اتفاقيتين للسلام مع العدو الصهيوني إلا على استحياء عندما أحستا بأن هدف هذه المجازر دفع الفلسطينيين في القطاع إلى طرق الشتات والنزوح مرة أخرى إلى سيناء المصرية تمهيدا لتهجيرهم جميعا إلى الأردن ودول عربية أخرى وصولا إلى كندا.
وكانت الطامة الكبرى في الإمارات التي لم تتردد في إدانة حق الفلسطينيين في مقاومة الاحتلال، وجاءت الصدمة من السعودية التي لم يخرج فيها متظاهر واحد للتضامن مع الفلسطينيين الذين يُذبحون في غزة على خلفية فتوى الداعية السعودي فهد بن سليمان الذي زعم أن الدعوة للتظاهر من أجل غزة ليست من الدين والسنة وأنه إذا قرر وُلاة الأمور التطبيع مع اليهود فـ “السمع والطاعة”، وهي فتوى تتماهى مع تسريبات أمريكية على خلفية زيارة وزير الدفاع السعودي، خالد بن سلمان، الإثنين الماضي إلى واشنطن، بعد المكالمة الهاتفية بين الرئيس الأمريكي جو بايدن وولي العهد السعودي الأسبوع الماضي، مفادها تمسك السعودية بخطوط التطبيع مع الكيان الإسرائيلي حال الانتهاء من الحرب في غزة ومع تسريبات مخابراتية أوردتها القناة السابعة الإسرائيلية كشفت عن وجود مخطط لحمل السعودية وإقناعها بإدارة قطاع غزة بعد تصفية حركة حماس.
خلاصة القول ما كتبه زميلنا الكاتب الصحافي بشير زعبية على جداره الفيسبوكي: “سلاح الفتك أميركي، والقاتل إسرائيلي، والدعم غربي، والتواطؤ عربي … والدم غزّاوي، والملحمة الأعجوبة فلسطينية… وتبقى الولايات المتحدة الراعي الرسمي للمحرقة في القطاع”.