منصة الصباح

دعم الإرهاب

دعم الإرهاب

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

تُعتبر الولايات المتحدة الأمريكية رأس الحربة في الحرب الدموية لقوات الاحتلال الإسرائيلي غير المسبوقة على 2.2 مليون مواطن فلسطيني في قطاع غزة، أكبر سجن مفتوح في العالم، المحاصر منذ 16 عاما والذي تعرض لعدة حروب منذ انسحاب قوات الاحتلال الإسرائيلي منه عام 2005.
لا يأتي هذا الإتهام للولايات المتحدة بإدارة الحرب على قطاع غزة بناء على تكهنات أو دراسات أو تحاليل سياسية وعسكرية أو أخبار مسربة وإنما على لسان الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه الذي رد على سؤال من مقدم برنامج (ستين دقيقة) التلفزيوني المشهور بقوله إن ” غزو قطاع غزة ضروري لكن احتلاله خطأ فادحا”.
يُعطي الرئيس بايدن بذلك تفويضا مفتوحا لقوات الاحتلال بغزو القطاع – الذي انسحبت منه إسرائيل عسكريا، وحاصرته إنسانيا واقتصاديا وسياسيا في إطار مخطط إرهابي لفرض الموت البطيء على سكان هذا القطاع – لمضاعفة القتل الوحشي للأبرياء، وحرق كل ما أخطأته القنابل التي صبتها الطائرات الحربية أمريكية الصنع على رؤوس الفلسطينيين خلال هستيريا القتل والدمار التي انتابت جيش الاحتلال بعد عملية “فيضان الأقصى” في السابع من أكتوبر الجاري، تحت مزاعم القضاء على حركة حماس وهي في الواقع ليست سوى سياسة عنصرية أساسها التطهير العرقي وفرض التهجير القسري على الشعب الفلسطيني مجددا.
وبموازاة الدعم العسكري الأمريكي اللامحدود المتمثل في إقامة جسر جوي لتزويد إسرائيل بكل احتياجاتها من أسلحة الدمار والقتل، وإرسال حاملتي طائرات قبالة ساحل غزة في البحر المتوسط، والاستعداد لإرسال 2000 ضابط وجندي أمريكي من قوات النخبة في مشاة البحرية (المارينز) على الأرض لدعم الجيش الصهيوني لغزو القطاع، تعمل الآلة الإعلامية الأمريكية الموجهة من البيت الأبيض والبنتاغون والـ (سي أي أي) على تضليل الرأي العام الأمريكي والدولي من خلال تبني وجهة النظر الإسرائيلية التي يُنتجها الموساد الإسرائيلي، وتروج لصور مفبركة عن قتل أطفال إسرائيليين وقطع رؤوسهم وحرقهم ليتبين فيما بعد أن تلك الصور من نسج الخيال والحرق من إنتاج الذكاء الصناعي.
تشهد دول العالم بأسره، دون أن تُحرك ساكنا، تحت وطأة التلويح بالعقوبات الأمريكية، وخوفا من اليد القاتلة للموساد، أن الولايات المتحدة الأمريكية باركت الطابع الإنتقامي لعمليات جيش الإحتلال الإسرائيلي وجرًت معظم الدول الأوروبية للإصطفاف معها في دعم هذا الإرهاب غير المسبوق المنقول على الهواء، وتعمل بكل قوة على شيطنة حماس وتشبيهها بـ (داعش).
إن مباركة هذا الطابع الإنتقامي للقتل من أجل القتل ليس بغريب عن الولايات المتحدة فهي، لمن نسي، قامت في أغسطس 1945 بعد أكثر من ثلاثة أشهر من غزو الحلفاء لألمانيا واستسلامها غير المشروط يوم 8 مايو 1945 ونهاية الحرب فعليا، بإلقاء قنبلتين ذريتين على مدينتي هيروشيما وناجازاكي اليابانيتين، تسببت الأولى في حرق 140 ألف من المدنيين، والثانية في إبادة 80 ألف من المدنيين، نصفهم في اليوم الأول للجحيم النووي، انتقاما للعملية العسكرية اليابانية المباغتة ضد القاعدة البحرية للأسطول الأمريكي في ميناء بيرل هاربر في هاواي في ديسمبر 1941.
تطورت الصبغة العقابية في اليوم العاشر لهذا القتل المستمر ليلا ونهارا الذي طال البشر والحجر، لتشمل قصف المستشفى المعمداني في القطاع بصواريخ حارقة وقنابل مخصصة لإحداث أكبر قدر من الضحايا فسقط أكثر من 500 من الشهداء، تحولت جثامين معظمهم إلى أشلاء، احتموا مع مئات آخرين بهذا المستشفى الذي يقع في أحد المربعات السكنية بحي الزيتون، ظنا منهم أنهم في مأمن في ساحته من القنابل الإسرائيلية، بعد أن تركوا منازلهم هربا من القصف المستمر، كونه محميا بالقوانين الدولية ويتبع الكنيسة الأسقفية الأنجيليكانية، ولكن لم تكن إسرائيل لتقيم أي وزن لتلك القوانين الدولية في ظل الحماية الأمريكية.
يعتبر الوجود الأمريكي السياسي والعسكري والأمني القوي في إسرائيل اليوم دليلا واضحا على المشاركة المباشرة للولايات المتحدة في جريمة تصفية القضية الفلسطينية حيث تسعى واشنطن من خلال هذا الوجود والرحلات المكوكية لوزير خارجيتها بين مختلف العواصم العربية الغارقة في الوهم الإسرائيلي والأمريكي على حد سواء، لكسب مزيد من الوقت للإسرائيليين لتنفيذ مخططاتهم إلى جانب الضغط على الأمم المتحدة للإبقاء على صمتها والإستعداد بالفيتو لاغتيال أي قرار في مجلس الأمن.
إن جرائم الحرب التي ترتكبها إسرائيل اليوم في غزة لم ير العالم لها مثيلا من قبل، لا في أفغانستان ولا في الصومال أو فيتنام، حيث يتم حصار أكثر من مليوني إنسان، 65 في المائة منهم من الأطفال والنساء والشيوخ، فيهم 100 ألف طفل أقل من عام، دون ماء ولا أكل ولا كهرباء أو دواء. إنها جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية مدعومة من دول على رأسها الولايات المتحدة لا تنفك تصدع العالم بحقوق الإنسان ومحاربة الإرهاب والتطرف.
أليس من الإرهاب والتطرف استهداف المستشفيات ودور العبادة والعقاب الجماعي وفرض التهجير القسري، أم أن إسرائيل لا يمكن المساس بها كما قال الممثل الكوميدي الفرنسي المشهور عندما سُئل ذات يوم لماذا لا يأت على ذكر إسرائيل في مسرحياته الهزلية؟

شاهد أيضاً

ثلاثة في أسبوع واحد

أحلام محمد الكميشي   كنت أنوي الكتابة عن مصرفنا المركزي المترنح وحقولنا النفطية المغلقة وسياستنا …