منصة الصباح

تشرين : طوفان بعد طوفان

تشرين : طوفان بعد طوفان

بالحبر السري

بقلم: علي الدلالي

حطم طوفان الأقصى أسطورة الجيش الإسرائيلي الذي لا يقهر وكسر شوكة الآلة الحربية الإرهابية الصهيونية وغرورها وسط فشل أمني واستخباراتي لم تعرفه الدولة العبرية منذ عام 1973، وأربك حسابات الولايات المتحدة وأغرق كافة حلفاء إسرائيل في دوامة الصدمة والدهشة.
ألف رجل من رجال المقاومة الفلسطينية على رأسهم كتائب القسام مسلحين ببنادق وطبنجات كسروا جدران الخوف والحواجز الإسمنتية والفولاذية العنصرية العازلة لتضميد الجروح النازفة منذ عقود، في القدس المحتلة والأقصى والضفة الغربية وغزة، وفي عموم المدن والقرى والبلدات الفلسطينية، على أيدي قوات الاحتلال الإسرائيلي.
أشعل رجال المقاومة الفلسطينية معركة بطولية هي الأولى منذ 75 عاما فوق تراب ما يُعرف بـ “فلسطين 48” وكبدوا قوات الاحتلال الإسرائيلي خسائر فادحة في الأرواح لم تعرف الدولة العبرية مثيلا لها منذ قيامها وخلال حروبها مع الدول العربية، ناهيك عن أسر العشرات من الضباط والجنود والمستوطنين المسلحين.
سارعت الولايات المتحدة مرتبكة بتحريك حاملة الطائرات (جيرالد فورد) والقوة الضاربة المرافقة لها قبالة الساحل الفلسطيني، وأعلنت أن حاملة الطائرات (ايزنهاور) في الطريق إلى المنطقة، وانطلقت الآلة الإعلامية في أمريكا والغرب لشيطنة العملية العسكرية غير المسبوقة ووصفها بـ “الإرهابية”، والتباكي على القتلى والأسرى الإسرائيليين وكأنها لم تر على مدى سبعة عقود القتل اليومي للفلسطينيين وهدم البيوت فوق رؤوسهم وتجريف أراضيهم وبساتينهم وحرق محاصيلهم ومنعهم من دخول القدس المحتلة لأداء الصلاة في الأقصى وسحل النساء الفلسطينيات وتدنيس المقدسات وآلاف الجرائم الأخرى التي ترتقي إلى جرائم حرب.
سيطر المقاتلون الفلسطينيون منذ الساعات الأولى لهذا الهجوم على بلدات ومستوطنات إسرائيلية ونقلت فضائيات العالم صورا لمقاتلين فلسطينيين يقتحمون قواعد عسكرية إسرائيلية ومستوطنات يقتلون ضباطا وجنودا ويأسرون العشرات، ظن من رآها للوهلة الأولى أنها من فيلم هوليوودي، ما دفع برئيس وزراء الكيان الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للإعلان عن أن “إسرائيل في حالة حرب”، مطلقا بذلك أيدي جنرالاته الذين أفقدهم طوفان الأقصى صوابهم لتنفيذ حملة إبادة جماعية شاملة وجرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية معلنة على الهواء على مرأى ومسمع من العالم.
تعود الفلسطينيون في هذا القطاع الصامد الصابر الذي يبلغ طوله حوالي 40 كلم وعرضه 12 كلم فقط، والذي قال عنه اسحق رابين “أتمنى لو أستقظ يوما وأرى غزة قد ابتلعها البحر”، على تقديم قوافل الشهداء، وعلى هدم الأبراج السكنية والبيوت فوق رؤوسهم غير أن إسرائيل الجريحة والمهزومة فقدت اليوم كل منطق وكشف قادتها عن وحشيتهم التي لم يعرف لها العالم مثيلا فاقت جرائم النازية والفاشية حقدا ودموية، وقررت منع الماء والكهرباء والدواء والطعام والوقود على 2.2 مليون إنسان بينهم أطفال ونساء وشيوخ ومرضى، وقصفت المستشفيات والمدارس ومحطات الصرف الصحي والطرقات، وكل شيء، في إطار عملية عقاب جماعي غير مسبوقة في كافة الحروب بما فيها الحربان العالميتان، الأولى والثانية.
خرج الرئيس الأمريكي جو بايدن مساء الثلاثاء، مترنحا بعد أن تلقى جرعته من الدواء ليتمكن من الوقوف على رجليه، داعما هستيريا القتل والدمار والأرض المحروقة التي تنتهجها إسرائيل، محرضا على مزيد القتل والعنف ضد المدنيين الأبرياء، مجددا وقوف الولايات المتحدة الأمريكية ودعمها الكامل لإسرائيل بكل ما تحتاجه من وسائل القتل والدمار ومحذرا بكل صفاقة وجه في ذات الوقت كل من يقف، من أفراد أو منظمات أو دول، مع شعب أعزل محروم من الماء والغذاء والكهرباء والوقود والدواء، محاصر في أكبر سجن مفتوح على وجه الأرض منذ 16 عاما، أو تأييد مئات من رجال المقاومة المناضلين ضد الظلم والإرهاب الصهيوني وإرهاب الدولة المنظم، يواجهون بالبنادق والأظافر والصدور العارية، “دولة لجيش” مدججة بكافة أنواع أسلحة الفتك والدمار الأمريكية والغربية بما فيها السلاح النووي.
خنًقت العبرات الرئيس بايدن، وغصً بالبكاء حتى كأن الدموع أخذت بحلقه، وهو يستعرض ما عرضه عليه أركانه، ومعظمهم من اليهود، بمن فيهم وزير خارجيته أنتوني بلينكن، من صور للضحايا الإسرائيليين في فيضان الأقصى، ولم يتوقف عند صور ذبح الفلسطينيين يوميا منذ 75 عاما وتشريدهم من ديارهم وهدم البيوت على رؤوسهم، ولم تحركه صور الأرض المحروقة ومسح أحياء بكاملها في غزة وتخيير 2.2 مليون فلسطيني بين الموت تحت القصف بالقنابل الفوسفورية والصواريخ أو الموت في البحر بعد قفل معبر رفح بين القطاع ومصر. وكيف له أن تؤثر فيه مثل هذه المشاهد وهو يقود دولة إمبريالية أبادت أمة بكاملها (الهنود الحمر) وتعيش اليوم على جماجمها؟
يجب على إسرائيل ومن ورائها أمريكا والغرب أن يُدركوا أن القتل والدمار هنا وهناك لن يتوقف طالما لم ينل الشعب الفلسطيني حقوقه كاملة وأقلها إقامة دولته المستقلة فوق أرضه وعاصمتها القدس الشريف.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …