منصة الصباح

(ألقاب) تُساق

(ألقاب) تُساق

محمود السوكني

الألقاب، علمية كانت أو اجتماعية لها رنينها وقيمتها ووهجها، كما لها شروطها واستحقاقاتها وضوابط تحكمها، فلا يجوز أن ننعت أحدا بصفة الأستاذية -على سبيل المثال- وهو لم ينل حظه الكافي من التعليم الذي يؤهله إلى أن يكون استاذاً ، أو أنه لم يكن علما د في مجاله حتى نصبغ عليه هذه الصفة التي يشقى البعض ويكدون طوال حياتهم ليظفروا بها.

وعلى هذا الأساس، فإنه من العبث أن يخاطب العامل الفني وإن كان ماهرا في تخصصه بالمهندس فلان، فتلك درجة علمية تمنح لمن اجتاز فترة دراسية محددة في مجال الهندسة مثلا، كما لا يصح أن نخاطب كل من يعمل بمهنة الطب بالدكتور علان لمجرد عمله بأحد المرافق الصحية حتى وإن بز أقرانه وتفوق عليهم! والأمثلة على ذلك كثيرة ومتعددة، وكلها تفقد الألقاب قيمتها، وتفرغها من محتواها، وتضيع تمايزها والغرض من إطلاقها.

وقد يعتقد البعض أنه يكرمك، ويعظم من شأنك بما ينعتك به من ألقاب، هذا إذا ما افترضنا حسن النية وسلامة المقصد، ولكنك في قرارة نفسك وإن إصابك بعض الزهو، تشعر باحتقار شديد يلفك وأنت تقبل على نفسك ما أنت لست أهلا له ولا تستحقه حتى وإن ساورك شك في ذلك.

ومن المفارقات، أن يُدعى كل من أتم فريضة الحج، بالحاج فلان، ونغفل عن من يؤدي فريضة الصلاة بنعته بالمصلي فلان، أو من يدفع الزكاة بالمزكي علان، فكلها فرائض واجبة الأداء، وإن كان مؤديها يستحق أن ينعت بها فلنقل مثلا: المصلي المتشهد المؤمن المزكي الحاج الخ.. فلان الفلاني .

وفي ذات السياق، فإن كل من أم المصلين أو خطب فيهم، نحسبه شيخاً متفقهاً في علوم الدين، متبحِّراً في شريعة الله، عالم لا يشق له غبار في العقيدة المحمدية، نستشيره ونسأله، ونحتكم إلى قوله الفصل، وهو غالبا ما ينطلي عليه هذا الوهم، ويعيش الدور كما ينبغي، ولا يتأخر في إلقاء أحكامه والإبحار في مواعظه!!

لقد أسقط في يد الفاروق عمر ذات مرة عندما واجهته امرأة برأي، علم صوابه وخطأ ما ذهب إليه، فلم يتأخر في الجهر به، والاعتراف بخطئه وهو من هو في صدر الإسلام، وهو الذي فرق به المولى عز وجل بين الحق والباطل!

الألقاب جُعِلت للتفريق بين الغث والسمين، بين الحق والباطل، بين الصح والخطأ، بين الحقيقة والوهم، بين المتبحر في علمه وبين السادر في جهله والهائم على وجهه لا يلوي على شيء ولا يعنيه أي شي ! .

شاهد أيضاً

نَحْنُ شُطَّارٌ فِي اخْتِلَاقِ الأعْذَارِ

باختصار د.علي عاشور قبل أيام قليلة نجحنا نحن الليبيون في ما يزيد عن خمسين بلدية …