قبة البرلمان في السنغال تئن تحت وطأة الصدامات
بالحبر السري
بقلم: علي الدلالي
يبدو أن لعنة النفط والغاز قد تصيب الاستقرار السياسي والتداول السلمي للسلطة الذي عاشته السنغال في بيئة ديمقراطية استعصت على الدكتاتورية وحكم الفرد منذ استقلالها عام 1960 وحتى اليوم في مقتل حتى قبل استخراج البرميل الأول المتوقع بداية العام القادم.
ظلت قبة البرلمان في السنغال، الوحيدة في القارة الأفريقية، شامخة، آمنة وبعيدة عن أحذية العسكر طيلة العقود الستة الماضية، حيث سلم الرئيس السنغالي (المسيحي) ليوبولد سيدار سنغور السلطة عام 1980 قبل نهاية ولايته إلى رئيس (مسلم)، عبدو ضيوف، الذي نقل السلطة بدوره إلى المعارض عبد الله واد عام 2000 بعد خسارته في الجولة الثانية.
وصل الرئيس مكي سال إلى السلطة بعد فوزه في جولة الإعادة على الرئيس عبد الله واد في مارس 2012 وشغل ولاية من 7 سنوات قبل الإصلاح الدستوري الذي نص على ولايتين فقط من 5 سنوات وفاز بولاية ثانية في 2019.
أربك الرئيس مكي سال المشهد السياسي في السنغال حيث لم يعلن صراحة حتى الآن عن نيته الترشح إلى “ولاية ثالثة” إلا أنه يرفض ما تقوله المعارضة بأن الدستور لا يخوله الترشح بعد ولايتين. وهنا تكمن المشكلة حيث يرى فقهاء الدستور الموالون للرئيس سال أن الولاية الأولى له من 7 سنوات غير محسوبة لأنها جاءت قبل الإصلاح الدستوري الذي نص على ولايتين من 5 سنوات لكل منها.
شهدت السنغال الأسبوع الماضي صدامات عنيفة بين محتجين وقوات الأمن أسفرت عن سقوط ما لا يقل عن 16 قتيلا حتى الآن وإصابة الكثيرين وأعمال تخريب طالت جامعة شيخ أنتا ديوب في قلب العاصمة السنغالية دكار ما أدى إلى تعطيل الدراسة على خلفية ما يُمكن اعتباره “صراعا غير معلن” على السلطة ومقدمة خطيرة للإنتخابات الرئاسية المقررة العام القادم 2024.
أعرف السنغال منذ ثمانينيات القرن الماضي وأزعم أني أعرف شعبها وتقاليده وعاداته، وتابعت المشاهد المصورة للدمار الذي لحق بجامعة شيخ أنتا ديوب وخاصة حرق كلية الآداب التي تأسست عام 1958 قبل سنتين من الإستقلال، عبر وسائل التواصل الاجتماعي والخاص، وأكاد أجزم أن الطلبة السنغاليين لا يُمكنهم تدمير هذا الصرح المعرفي الذي يحمل إسم أحد أبرز الرجال في تاريخ السنغال، المناضل والعالم والمؤرخ والبروفيسور الإفريقي، شيخ أنتا ديوب، ما يعني أن عناصر تخريبية من خارج الجامعة تسربت إلى صفوف المتظاهرين.
حقق الرئيس مكي سال منذ توليه السلطة العديد من الإنجازات في المجالات الزراعية والإقتصادية وتنمية المناطق الريفية وقطاع المواصلات والصيد البحري التي غيرت وجه السنغال، إلا أن جائحة كورونا (كوفيد – 19) كانت لها آثار مدمرة على الاقتصاد السنغالي، كسائر البلدان.
تفجرت الإحتجاجات العارمة ضد السلطة الخميس الماضي على خلفية تردي الأوضاع الاقتصادية ومراقبة السنغاليين كيف أن الطبقة الوسطى تراجعت إلى خطوط الفقر وتضاعف عدد الأثرياء خلال السنوات القليلة الماضية وكان توقيف المعارض عثمان سونكو الذي تتهمه موظفة صالون تجميل باغتصابها في حين يعتبر مؤيدوه أن السلطة الحاكمة في السنغال تستغل القضاء لإبعاده عن الانتخابات الرئاسية القادمة، الشرارة التي أطلقت هذا الغضب في الشارع السنغالي.
تواصلت مع الكثير من الأصدقاء السنغاليين الذين دعموا الرئيس مكي سال في انتخابات عام 2012 و2019 وأجمعوا أنه يتعين على الرئيس سال الإفصاح عن نيته بعدم الترشح لولاية ثالثة، وأكدوا ان الرئيس حقق الكثير من الإنجازات للسنغاليين ووضع البلاد في مصاف الدول الصاعدة إلا أنهم، كمناضلين، يؤمنون بأن قطرة دم سنغالية واحدة تُسفك بسبب الصراع على السلطة تنسف كل ما حققه وسيحققه الرئيس سال فما بالك اليوم ونحن نتحدث عن 16 قتيلا رسميا في حين تؤكد تقارير محايدة أن عدد القتلى يتجاوز الإحصائيات الرسمية بكثير.
يرى هؤلاء الأصدقاء أنه على الرئيس مكي سال أن ينتبه إلى أن الموالين له الذين يدفعونه إلى خوض ولاية ثالثة مشكوك فيها دستوريا هم حوله في السلطة وغايتهم الحفاظ على مناصبهم وعلى امتيازاتهم وعلى مكاسبهم الشخصية.
إن السنغال أكبر من عثمان سونكو الذي اعتمد الخطاب الشعبوي وتسويق الوهم لاستغلال آلاف الشباب السنغاليين العالقين بين الضياع فوق اليابسة وركوب البحر على متن قوارب الموت، لذلك يجب على الرئيس مكي سال أن يؤكد أن السنغال أكبر من الجميع بالفعل ويأخذ خطوة إلى الخلف للسماح بالتداول السلمي للسلطة والحافظ على شموخ قبة البرلمان السنغالي.