منصة الصباح

الأخوات المسافرات

الأخوات المسافرات

فتحية الجديدي

قد يكون طلب كتابة الاسم وتاريخ ومكان الميلاد والحالة الاجتماعية وعنوان السكن ورقم الهاتف الخاص وجهة العمل والدولة المقصودة بالزيارة أمرًا ضروريًا في المطارات عند مغادرة البلد لأي مقصد، بالإضافة إلى طلب كتابة سبب الزيارة «ماعلينا»، فكلها أمور اعتقد أنها عادية عند الغالبية ومن حق الجهات الأمنية المختصة الاطلاع عليها، طالما همها العمل الحرص على سلامة المواطن والمواطنة الليبي.

لكن تلك الورقة التي سلمت إلىّ أبان توجهي لمطار «امعيتيقة» فاجئتني، فقد كانت نموذجًا لـ» بيانات الأخوات المسافرات بدون مرافق» وعليها ما يفيد بأنها صادرة عن جهاز الأمن الداخلي عنوانها.

اثارت غضبي لأسباب عدة، وقبل كل شيء فقد قصدت الجمهورية التونسية لزيارة المعرض الدولي للكتاب في دورته الخالية الـ37 المقامة بمنطقة الكرّم بالعاصمة تونس، وهذا للتوضيح إذا أحبت هذه الجهات معرفة أين تسافر الليبيات من مثيلاتي.

ما تسبب في امتعاضي سؤالان تذيلا النموذج وكانا يستفسران عن سبب عدم وجود مرافق؟ وهل سبق لي السفر بدون.فهل بتنا – نحن النساء – مطالبات بتقديم عذر وتفسير لعدم توفر مرافق، أيخشى على المرأة الليبية التي تبوأت أعلى المراكز وتحملت أعتى المسؤوليات من السفر لوحدها ؟ أم هو الخوف منها ؟ثم إن جادل البعض مدافعاً على هذا الإجراء بدعوى ظهور فتيات ما إن يتخطين الحدود حتى يبدأن في نشر ما يخالف عاداتنا وقيم ديننا .. ألا يلمح الأمر من بداياته ويعرف الإنسان من مظهره ؟ أتتساوى من همها حضور محافل ثقافية مختلفة وتسجيل اسم بلدها هناك بمن يظهرن على منصات التواصل الاجتماعي ؟ وإن صعب الأمر على المسؤولين في الجهات الأمنية فيمكنهم التدارك بإجراءات ضبطية لمن تجاوزن الحدود بمجرد عودتهن، لا أن تجبر كل النساء على ملء نماذج كهذه وكأنهن مدانات مسبقاً.

وحتى لو أقررنا هؤلاء ألم ينته عصر الأوراق الذي لا طائل منه، والأجدى من ذلك استصدار بطاقات شخصية ذكية للمواطنين والمواطنات وما إن يسافر أحدنا «رجلاً أو امرأة» حتى يعلم من أمره ما خفي عن جيرانه وزملائه في العمل.

لا ألوم ضابط الأمن الجمركي فقد كان يؤدي مهمته، ولن يدرك البتة مدى قوة ونجاح المرأة التي وقفت أمامه لتكتب بيانات شخصية في ورقة وتسلمها له، ثم تنتظر ختم الموافقة المشروطة بملء هذا النموذج البائس الذي ينتقص من المرأة ولا يضيف لها شيئاً.

وأضيف : ما دام أن قانوناً بمنع المرأة من السفر لوحدها لم يصدر فلا يحق لأحد أن يخص النساء دون غيرهن بإجراءات تقيد من حركتهن.

وما أرى ما حدث إلا اختراعاً ذكورياً من عقلية أرادت أن ترد المرأة المثابرة المحترمة إلى الخلف، في حين يسافر الشباب ممن دون سن النضج ويقعون في مشاكل قد تكون هي ذاتها وراء القصد من تجنب وقوعها للنساء أثناء سفرهن، فلماذا لم يصدر نموذج مشابه لهم ونحن نسمع بكوارث تخرج علينا كل يوم منهم! ولماذا أساسًا يكون الحفاظ على كيان المرأة وسمعتها بهذه الطريقة المهينة حتى تقوم بتعبة بيانات عنصرية مقيتة سببها عقلية تطالب بسد الطريق في وجوه النسوة بدل دعمهن بقرار حافل بالتحجيم.

«والعاقبة عندكن في المسرات»

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …