كلُّ عام وأنتُم بخير
________
جمعة بوكليب
العيدُ اقتربْ. ومثل نسائم منعشة، بدأت تعلن عن وصولها، وتضوع روائحها الطيبة. وأزاهرُ فرحه الخجولُ بدأت تنبثقُ مضيئة باشراقها في العيون، وتسرحُ طليقة في براح دنيانا، وتجعل قلوب الصائمين مثل قلوب المحبّين، تتنظر على أحرّ من جمر رؤية هلال شهر شوال.
أدام الله أعيادكم، وكل عام وأنتم بخير.
العيدُ، في رأيي الشخصي، يقترن بالحبّ. ذلك، أن حلول يوم العيد ببهجته المميزة، مثل تذوق طعم الحب بعد غياب وحرمان طويلين. وبالتاكيد، هناك اختلاف.
لكن ما يجمع بينهما من أواصر أكثر مما يميز بين الاثنين من فوارق. اقترانُ العيد بالحبّ ليس غريباً، حتى وإن بدا للبعض منّا غريباً، لاقترانهما بالفرح وبالنشوة المبهجة.
فرحة تذوق طعم الحب، في كل مرة يصطفينا فيها الحبُّ، لا تختلف عن فرحة طعم يوم العيد، مهما توالتْ الأعيادُ وتشابهت أيامُها.
الاثنان عندي يمثّلان خروجاً عن المألوف واليومي العادي، وما يعتريه من شوائب الروتين والملل والتكرار. كلاهما لديَّ ينتميان إلى عالم سرّي داخلي بهيج، له علاقة بما يعتملُ داخل الحنايا، ويلمسُ الشغافَ، ويضيءُ قناديل الفرح في عتم الأرجاء. والاثنان يغيّبان الحزنَ والهموم، ويضعان نهايةً مؤقتة لها. لذلك، فكما يتغنّي الناسُ ببهجة تذوقِ طعم الحبّ، كذلك لا ينسون مطلقاً التغنّي ببهجة تذوق طعم فرحة حلول العيد.
المرءُ منّا، ومن الجنسين، يحرص، قبل الذهاب إلى لقاء محبوبه، على التجمل بارتداء أحلي وأبهى ثيابه، ويتزين، ويتعطر بأحلى العطور. لأن لقاء المحبوب، مثل يوم عيد، ويعني تجميد الحزن، وتعليق الهموم على المشاجب، لتتخلص النفس من أعبائها وأثقالها، وتطيربلا جناحين فرحاً.
وقبل حلول يوم العيد، يتهيأ كذلك للقاء العيد، وكأنه على موعد مرتقب مع المحبوب، بشراء وارتداء أفضل الثياب، والتزين، والتعطر بأبهج العطور رائحة، ليدخل السرور على كل من يقابلهم، ويلتقيهم، ويحضنهم، ويقبّلهم. وكأنّه في حفلة عُرس.
اقترب العيدُ حاملاً بهجته إلى أهل الأرض. وبدأتْ أيام شهر الصيام في التناقص سريعاً، وازدادت القلوب ترقّباً، وهي تشكر الله على ما حباها من نعمة الصبر والعافية على اتمام الشعيرة المباركة، وتتوجه إليه بالدعاء أن يتقبل منها خير أعمالها وعباداتها وصدقاتها، وفي ذات الوقت، فإن تلك القلوب ذاتها يتطاول فضولها فرحاً، إلى اليوم التالي مباشرة لليلة اللأخيرة من شهر الصيام:
أول ايام شهر شوال. يوم العيد. يوم الفرح. يوم التسامح. يوم لقاء الأحبة من الأهل والجيران والأقارب.
ويوم بداية استئناف قطار الحياة رحلته مجدداً، بلا توقف، طيلة أحد عشر شهراً.
اقتربَ العيدُ، فتهيأوا له واستعدوا.
مهدوا له الطرقات وعبّدوها وزيّنوها بكل جميل من مشاعركم وأفعالكم، وأفتحوا أمامه شبابيك وأبواب قلوبكم وأنفسكم وأرواحكم قبل أبواب بيوتكم. لأن العيد، مثل الحبّ، لايسكنُ إلا في القلوب. ولكن ليس كل القلوب. بل يحبُّ أن يصطفي منها ما يناسب قدره وعظمته، وما يتوافق مع روحه الكريمة.
لذلك السبب، يفضل سُكنى القلوب الرحبة، النبيلة، الفسيحة، المتسامحة، ذات التربة المباركة، الصالحة لانبات بذور الخير والعدل والجمال، والحب للانسانية .
اقترب يوم العيد. اقترب يومُ الحبّ. يومُ التسامح. أدام الله أعيادكم، وعمّر قلوبكم وبيوتكم بالحبّ وبالتسامح، وبصلاح أموركم.
آمين
كل عام وأنتم بخير.