القهر والأحزان والصحة
د.علي المبروك ابوقرين
القهر أشد فتكًا من المرض فما بال المريض الذي لا يجد العلاج لنفسه أو ليس له المقدرة على تكاليفه ، أو يضطر للبحث عن بدائل رخيصة وغير مضمونة ولا مأمونة. وتقفل أمامه السبل ، ولا طريق إلا المصائد لجني المصائب في الداخل والخارج.
وماذا عن أهل المريض وذويه الذين تقطعت بهم السبل بين مستشفيات خاوية ومصحات غالية ، وأسفار للعلاج في أسواق أخرى أكثر قهرًا، بين تاكسي الإسعاف سيارات الركوبة التي تحولت لنقل المرضى والموتى وإستبدالهم بين السيارات على الحدود، وبين الاستغلال في السكن والعلاج والمعيشة والشفقة وتدبير المال المفقود بالاستدانة أو بيع المتاح من ما تملكه اليد القصيرة والعين البصيرة ، وكل مدخرات العمر يلهفها السماسرة في حالة واحدة بمرض بسيط ..أو الإسعاف الطائر التي تحول لخدمة المقتدر أو النافد، ناهيك عن تحول المرضى لسلعة تتربح منها منظومات اقتصادية صحية ، لا تخضع لضوابط ومعايير ولا من يدافع ويحمي حقوق المرضى وذويهم (قهرًا آخر)
وكيف يسلم المريض وأهله بعد كل هذا القهر القاتل ..
القهر فتاك لمن يقف عاجز عن علاج أبيه وأمه أو أحدٍ من أبنائه، أو لمن يضطر لشراء دواء مقلد أو مغشوش أو اللجو لمصحات الناجي منها محظوظ لعدم القدرة على مصحات النخب أو السفر للعلاج على حساب الدولة ( المجتمع).
القهر قاتل لائ شخص يصعب عليه الوصول أو الحصول على الخدمات الصحية العالية الجودة وبسهولة وييسر دون مشاق ولا تكلفة تفوق القدرات وهو متأكد أنه المواطن من ينفق على النظام الصحي والتعليم الطبي بسخاء، وأن القطاع العام المنهار بقصد هو ملكه وملك أبنائه وأحفاده، وما ينفق على العلاج في الداخل والخارج هي أمواله وإنه يدفع ثمن الخدمات المفقودة أو السيئة إن كانت موجودة أضعاف مضاعفة من ماله ومال أبنائه وأحفاده..من بعده.
القهر أكثر فتك من أي داء لمريض أورام لا يتوفر له دواء أو من يحتاج لزراعة كلية أو كبد أو نخاع أو غيره لا ملجئ له الا الدعاء، أو أن يتقاسم المرضى فيما بينهم علب الدواء ، ولمن رضوا عنهم أصحاب القرار يبدأون في رحلة الشقاء وليس الشفاء.
القهر قاتل لمن باع بيته لأجل العلاج والدواء، ويموت مريضه وتتراكم ديونه ويبيت هو ومن تبقى من أسرته في العراء ، والقهر الفتاك من تَعالي وتَرفع بعض الأطباء من ينشد عندهم المرضى الشفاء وهم لايروهم الا أعداد لقوائم الإنتظار وأرقام تتزايد للرصيد البنكي من الدينار والدولار ، والقهر القاتل هو إحتجاز جثمان المتوفى حتى السداد ولا تعني للطبيب والمشفى والإدارة أي اعتبارات لا الجنازات ولا بُعد المسافات ، ولا ظروف العائلات ، وأي قهر هذا أهل الميت يؤجلوا الدفن حتى يتدبروا الأموال للرسالة الإنسانية السمحة التي كنا نحلم بها ونصدقها . حتى عشنا قهرنا وواقعنا ، وإقناعنا بقوة أن المواطن بالضرورة أن يساهم من جيبه بحجة الشعور بالمسؤولية وقيمة الشئ ، ولا ندري ماهو هذا الشئ، وأين كان هذا الشئ عندما كانوا الفلاسفة فقراء معدمين وتعلموا وعولجوا بالمجان.
القهر يدمر الصحة والحياة بتدميره للجهاز المناعي ومايترتب عليه من أمراض خطيرة والقهر والحزن يسبب أمراض نفسيه وعضوية صعبة ، والقهر والحزن الشديد يفاقم الأمراض ويقلل فرص العلاج والشفاء ، ويدمر حياة الأصحاء ، في الوقت الذي بالإمكان تجنب 85% من الأمراض ولا حاجة لدولة غنية وشعب صغير العدد ان ترسمل الصحة والاقتداء بأسواء الانظمه الصحية اللانسانية والتي تفتقد للعدالة والمساواة ولا في حاجة الي تدمير القطاع الصحي وتدمير التعليم والتدريب الطبي والصحي.
لمجرد الإقناع بفشل القطاع العام
سوف يتفاقم القهر وتشتد الأحزان وتزداد الأمراض المزمنة والاكثر خطورة وتفقد الأجيال الجديدة الصاعدة فرصها في التعليم والتدريب الطبي والصحي الجيد ويفقدوا التأهيل المطلوب وتتفاقم أوضاع الناس الصحية وما يترتب عنها ..
الصحة ليست المنظومة الاستشفائية المنهارة الان ولا الوقائية المفقودة الصحة أكبر وأكثر وأشمل من ذلك والصحة ليست منظومة أستثمارية لتتضخم بورصات وأسهم الشركات ..
الصحة استثمار أساسي في الإنسان العنصر الاساسي في التنمية والتطور والتقدم .
والمريض يحتاج لطبيب ماهر وتمريض مؤهل ودواء موثوق ونظام متطور وبنية حديثة وإدارة قادرة
في أي مكان وكل مكان لمن كان.
ليبيا قادرة أن لا يكون المرض عبء على أهلها وأن تكون بلسم لشعبها إن أرادوا …
الصحة حق والحياة حق