لقاء في يثرب
__
مفتاح قناو
عندما حل بيثرب ( المدينة المنورة ) للمرة الأولى، استنشق عبق التاريخ، فتوقف على أبواب المدينة ينظر، هنا في هذا المكان عقدت رايات الفتح، ومن هنا خرجت السرايا، وأرسلت الرسل، إلى هرقل عظيم الروم، وكسرى عاهل الفرس، والمقوقس حاكم مصر .
طاف بالشوارع والأزقة، تأمل شواهد الأمكنة التي تحكي قصة البعث التاريخي الكبير لأمة مفككة، نظر في هذه الطرقات وقال في نفسه عند هذه الأبنية جلس التاريخ تلميذا يعيد كتابة دروسه، هنا كانت سقيفة بني ساعدة مكان النزاع الداخلي الأول بعد وفاة النبي الكريم، وهناك بقايا حصون بني قريظة، وبين هذا الامتداد وذاك كان حفر الخندق.
زاد إعجابه بجمال يثرب المدينة الحديثة، حيث مركزها المسجد النبوي الشريف، تحيط به منطقة الفنادق المركزية التي بنيت بعناية فائقة، ودرجة من الجودة والفخامة تليق بجلال المكان وتاريخه العظيم،
لم يكتفي بالمنطقة المركزية الحديثة ــ رغم اتساعها ــ والتي كونت لديه انطباع إيجابي عن مدينة الرسول الكريم وأحوالها، لكنه غرامه بالتاريخ أخده إلى الضواحي حيث الأحياء الشعبية والحواري الضيقة المحيطة بالمدينة.
اتجه شمالاً وترك المنطقة المركزية خلفه و مقبرة البقيع عن يمينه، فوصل بعد عدة مئات من الأمتار إلى حي شعبي فقير، يزدحم بالباعة المتجولين ، يبيعون كل شيء على ظهور عربات الشحن الصغيرة ، أو على مناضد خشبية في الطريق العام ، أخذته غفلة قصيرة فلم ينتبه جيداً حتى ظن انه قد انتقل إلى حي السيدة زينب في القاهرة، كل شيء معروض بنصف ثمنه في المحلات الفخمة .
حاول معرفة المكان أو اسم الحي ، فكانت المفاجأة إنه شارع أبي ذر الغفاري، ويوجد به مسجد قديم هو مركز الحي يسمي أيضا بمسجد أبي ذر، يحيط بالمسجد الفقراء من أحباب أبي ذر، أول داعية اشتراكي في الإسلام ، لقد ضنوا عليه بأن يطلق اسمه على الأماكن والشوارع الفخمة ، هاهو نصير الفقراء والمدافع الأول عنهم في وجه طغيان بني أمية ( أبوذر الغفاري ) مازال اسمه يطلق على حي شعبي فقير يمتلئ بالكادحين البسطاء من أحباب أبي ذر، الذين عاش معهم وكان فردا منهم.