محمد الشلطامي
بقلم// مفتاح قناو
في مطلع سبعينيات القرن العشرين كنت تلميذا في المرحلة الإعدادية، شغوفا بالقراءة والاطلاع، حيث قرأت بخلاف المناهج الدراسية لعدد من الشعراء والأدباء من دول عربية مشرقية، ولكنني كنت ابحث عن ما يمكن قرأته لكتاب ليبيين.
فذات مساء صيفي جميل، وفي جولة وسط مدينة طرابلس، قادتني قدماي إلى مكتبة من المكتبات الخاصة التي كانت منتشرة في ذلك الوقت قبل أن يتم تأميمها، وكانت تسمى ( دار الكتاب العربي ) وهي ليست ( الدار العربية للكتاب ) الحكومية المشتركة بين ليبيا وتونس.
عند دخولي إلى المكتبة كان بالداخل بعض الأشخاص يتحدثون إلى البائع ـــ لعله صاحب المكتبة لم أكن أعرف ـــ جال بصري بين الكتب المعروضة، وتابعت الكثير من العناوين، حيث لفت انتباهي مجموعة شعرية صغيرة خضراء اللون عنوانها ( تذاكر للجحيم ) لشاعر لم أكن قد سمعت باسمه في ذلك الوقت، هو الشاعر محمد الشلطامي، تناولت المجموعة الشعرية، وأدركت من الاسم أن الشاعر ليبي من بلادي، تصفحت الكتاب الصغير وقرأت أول نص قابلني كان عنوانه السر ….
الليل والمذياع والأنباء
وباعة الهتاف للسلطان والشتاء
لما يجئ فارغا رياحه بكاء
إلى آخر القصيدة، وتابعت القراءة بقصيدة ثانية وثالثة ورابعة، كانت قصائده قصيرة، لكن كل قصيدة أجمل وأقوى من سابقتها، قررت على الفور شراء الكتاب، في الأيام التالية حفظت المجموعة الشعرية عن ظهر قلب، لكن القصيدة الأولى لم تفارق دهني، حيث كانت الشوارع في بداية السبعينيات تمتلئ بالمسيرات المؤيدة لحكومة الثورة، والهتاف للسلطان قد بلغ مداه، والمذياع يصدح (دوس على الرجعي والخائن)، والأنباء كانت حكرا على الثورة ومنجزاتها.
كان للشاعر محمد الشلطامي رؤية معرفية ثاقبة، نتجت عن كثرة قراءاته، حيث كان يعمل في مكتبة بنغازي العامة فنهل منها ودرس أمهات الكتب، لكن قراءته لديوان ( أنشودة المطر ) جعلته مفتونا بأشعار بدر شاكر السياب، يسير على دربه وينسج على منواله.
غابت عني أخبار الشاعر، ولم يصدر له أي دواوين جديدة، لأنه كان قد اعتقل في الثورة الثقافية عام 1973م، كما كانت أشعاره أناشيد الطلبة في مظاهرات 1976م مما زاد من غضب النظام عليه، توارى الشاعر واختفى حتى بعد خروجه من السجن، حاولت البحث عنه لكن لم أجد وسيلة إلى معرفة أخبار الشاعر التي أعجبت بإشعاره وانتظرت منه الكثير.
مرت أكثر من ثلاثين سنة قبل أن التقي بالشلطامي لأول مرة في أمسية شعرية نظمت له بمركز الدراسات التاريخية في طرابلس، كان قد جاوز الستين من عمره، لكنه في تلك الأمسية كان منتعشا حيث عادت له الحيوية فقد التقى جمهوره بعد غياب طويل، غص المسرح برفاقه ومحبيه وأجيال جديدة سمعت عنه دون أن تقرءاه.
رحم الله الشاعر محمد الشلطامي الذي فارق دنيانا في مارس 2010م.