بقلم /محمود البوسيفي
لا أملك إحصائيات عن عدد الدكاكين والمتاجر والأسواق التي عادت للاندلاع مرة أخرى بضراوة مدهشة .. شرايين تتدفق ببضائع من تركيا ومصر وماليزيا وهونغ كونغ و جنوب كوريا والصين وتايوان، وماتيسر من منتجات ( خاصة) لذائقة دولارية من إيطاليا وفرنسا وبريطانيا.
أسواق لبضائع رخيصة (لانتهاء، أو قرب انتهاء الصلاحية) ومتاجر تلاصق متاجر ودكاكين تفرخ دكاكين في مواجهة مواطن يوشك على الإصابة بالحول وسط هذا المعرض، خاصة وهو يتحسس جيوبه، التي تنافس نظاقة السيراميك، الممتدة معارضه على طول الشارع كاملا.. أسواق .. متاجر .. دكاكين.. للبيع والشراء، من الدولار إلى أحدث صرعة فى عالم السيارات.. يقول أحد الخبثاء أنها لافتات لتبييض الأموال، ويقول مراقب آخر: إنها بيارق كتائب الاستهلاك… تعود للتدافع على مجتمع توافرت لديه تجارب مختلفة من التطبيقات الاقتصادية، كان ينبغى أن تحصنه فى مواجهة تلك الكتائب الشرسة. لا أرغب في إشاعة النكد.. ولكنني أدعوا لقراءة خريطة مدينة مثل طرابلس تفترسها الواجهات الزجاجية واكتظاظ الأرصفة بضائع تحتضر، وتعوزها إلى حد القيظ المسارح ودور العرض والمكتبات والمراكز الثقافية..
ثقافة التسليع تهاجم الشارع يدرعها زرد الفضائيات بوجبات متلاحقة من الألوان والعروض والإيقاعات.. أحداق زائغة.. أرواح تلهث.. تلهبها كتائب الاستهلاك بسياط تفتقد الوسيلة لتجنبها.
أسعار تحيلك إلى ذاكرة مدرسية .. حيث الشوكة الرنانة ولسان المزمار والأوانى المستطرقة وأسهم دفاتر الرسم البياني.. الرقابة على الأسعار مهذبة .. دمثة.. رقيقة.. ناعمة .. تنام مبكرا رغم تصارع اللصوص على سرقة أحلامنا، وتصحير حدائقنا، وتسييج ضحكاتنا بأسلاك متجهمة …
الدولة تمعن فى رفع يدها عن احتكار التجارة.. لا بأس.. لكن هذا لا يعني تجاهلها .. بمعنى التمسك الدقيق بتطبيق القوانين الرقابية والضرائبية .. حيث يكسب التاجر والدولة والمواطن ولا يخسر أحد سوى الفوضى والتخريب.
محلات الحرفيين تغلق بسيف التسلط المثير للدهشة، لتفتح على أطلالها دكاكين ومتاجر وأسواق نهمة لا تشبع ولا ترتوى كبئر بلا قرار.. أبواب مشرعة .. لامعة.. وواجهات أنيقة.. إغواء لا يقاوم.. فخاخ ناعمة.. فيما يرحل الصنّاع والأسطوات إلى أرصفة المتاحف…التجارة لعبة مهمة وحيوية وضرورية.. ولكن لابد من تحصين رعونة اندفاعتها وتقليم أظافرها.. لابد من إرغامها على نظام غذائي نباتى.. لا يأكل اللحم.. غير عدواني.. وهذا لا يتم إلا بالقانون والثقافة… مدافع كتائب الاستهلاك لا تتوقف إلا بمواجهة حقيقية.. من كتائب الثقافة، التي تملك وحدها إمكانية التغلب على التفاهة والكسل
والاسترخاء المرضى.