بقلم/ مفتاح قناو
عندما قدم الكاتب المصري أسامة أنور عكاشة مسلسله الجميل عصفور النار في مطلع عقد التسعينيات،أعتقد بعض من شاهده وأعجب بقصته التي تحكي عن الصراع علي السلطة في قرية الحلوانية بين العمدة الذي قتل شقيقة ليستولي علي منصبه، ثم بينه وبين ابن شقيقه بعد ذلك، اعتقد أن العنوان الجميل لهذا المسلسل هو أيضاً من إبداعات أسامة أنور عكاشة، لكن الحقيقة هي أن الكاتب المصري قد اقتبس هذا العنوان من أعمال الموسيقار الروسي الكبير ايجور سترافنسكي الذي ولد في نهاية القرن التاسع عشر في عاصمة قياصرة روسيا القديمة سان بطرسبرج والتي سميت في الحقبة الشيوعية ( لينين جراد ) وتعني بالعربية ( قلعة لينين ) حيث كان والد سترافنسكي احد الفنانين العاملين في دار الأوبرا الإمبراطورية.
راقب سترافنسكي الطفل باهتمام عزف أصدقاء والده عندما كانوا يزورن منزلهم القريب من دار الأوبرا الإمبراطورية.
تعرف سترافنسكي على الموسيقار ريمسكي كورساكوف الذي نصحه بدراسة الموسيقى، فاخذ بهذه النصيحة بعد تخرجه من كلية القانون وقدم بعض القطع الموسيقية القصيرة , ثم قدم عمله الأوبرالي الأول والذي حمل عنوان (المزاح) وقد استوحى موضوعه من قصص الكاتب الدنمركي الساخر (أندرسن) .
تعرف سترافنسكي بعد ذلك على مدير فرقة البالية الروسي ومنظم حفلاتها (سرجي دياجاليف) الذي أدرك عندما شاهد أعمل سترافنسكي الأولى أنه أمام فنان عظيم , فربطته به صداقة استمرت حتى ضمنها قبران متجاوران في مدينة البندقية.
في عام 1915 كان الصديقان في فرنسا وأراد سرجي دياجاليف إحياء فن الباليه الكلاسيكي الذي كان يحتضر في فرنسا، فطلب من صديقه سترافنسكي أن يقدم عملاً جديداً يُحي به هذا الفن , فاتفق معه على تقديم فنتازيا موسيقية ساحرة يمكن أن تحقق رجة كبيرة للأوساط الفنية في باريس .
تفتقت عبقرية سترافنسكي عن عمله الرائع عصفور النار والذي استلهم فيه سحر الشرق من خلال أساطيره ليحكي عن العصفور الأسطوري اللامع الذي يحوم حول الشجرة السحرية محاولاً أن يقطف ثمارها الذهبية التي تتلألأ تحت ضوء القمر، وعن الصياد الشاب ايفان الذي ينطلق بحماس لاصطياد هذا العصفور الذي يفلت منه كل مرةً، لكن الصياد الشاب يملك تعويذة هي ريشة ذهبية تسمح له بالانتصار على المارد الضخم، الذي يستطيع بأصابعه الخضراء تحويل كل من يقترب منه إلي جماد، لكن ايفان ينجح في القبض على روحه المختبئة في بيضة تتحطم عندما تسقط على الأرض.
في اليوم التالي لعرض عصفور النار نشرت الصحف الفرنسية مقالات مطولة تشيد بهذا العرض وانتشر اسم سترافنسكي انتشار النار في الهشيم، وأصبحت أعماله تلقى رواجاً كبيراً فقد أعاد عصفور النار النشاط إلى نوع من التأليف الموسيقي كان قد توقف في فرنسا .
لقد برع سترافنسكي في التوزيع الموسيقي لعصفور النار حتى شبه النقاد التوزيع الاوركسترالي لعصفور النار بقطعة قماش ثمينة مطرزة بالذهب وبألوان جذابة ساحرة.
لقد تعامل سترافنسكي مع الموسيقى على أساس أنها عمل هندسي متكامل ينبغي بناءه على أساس عملية سليمة فكان يقيم الكتل والأحجام ويوازن بين المواد وينسق بين العناصر المختلفة، ليكون هذه الوحدة الموسيقية.