منصة الصباح

التمترس خلف جدران العناد

علي الدلالي

تمترست الجزائر بكل قوة مرة أخرى خلف جدران العناد ومنعت طائرة مدنية مغربية تقل رياضيين مغاربة من القدوم مباشرة من الرباط إلى مدينة قسنطينة الجزائرية للمشاركة في بطولة أمم أفريقيا للاعبين المحليين (شان) التي انطلقت نسختها السابعة يوم الجمعة الماضي في الجزائر.

ويسكب هذا التصعيد الجزائري الجديد وغير المبرر، في اعتقادنا، خاصة وأنه يتصل بشأن رياضي على مستوى القارة الأفريقية، مزيدا من الزيت على نيران الخلافات القديمة الجديدة بين الدولتين الشقيقتين اللتين تشاركتا تاريخا طويلا ومشرفا من النضال في سبيل الحرية والإستقلال.

شكلت روابط الجغرافيا، والتاريخ، واللغة، والثقافة، والدين، إلى جانب الروابط الاجتماعية والإقتصادية والإجتماعية ناهيك عن روابط المصاهرة الركائز الأساسية لتوحيد جهود المغاربة والجزائريين الذين لم يعترفوا بالحدود ولا بالحسابات السياسية الضيقة ولا المزايدات الوهمية بل هبوا هبة رجل واحد لمقارعة الاحتلال الفرنسي البغيض، إيمانا بأن قضيتهم في مواجهة الإستعمار الغاشم واحدة وأن أرضهم واحدة.

توحدت بنادق المغاربة والجزائريين في مقاومة الإستعمار الفرنسي إلا أنه مباشرة بعد عام من استقلال الجزائر، اندلعت عام 1963 مواجهات عسكرية بين البلدين عُرفت بـ “حرب الرمال”، ومنذ ذلك اليوم انتقل وئام رفاق السلاح إلى صراع الإخوة الأعداء.

نقرأ في التاريخ أن المغرب الذي نال استقلاله عام 1956، أكد عام 1957 على حقوقه في الصحراء الغربية التي استعمرتها إسبانيا عام 1884 وأعلنتها إقليما إسبانيا تحت مسمى “الصحراء الإسبانية” عام 1934، في حين لا تزال الجزائر ترزح تحت نير الإستعمار الفرنسي و”البوليزاريو” لم تجد بعد رحما لنطفتها.

طالبت الأمم المتحدة إسبانيا بإنهاء احتلالها للصحراء عام 1965، وفي عام 1973 تأسست ما عُرف بـ “جبهة البوليساريو”، وفي العام 1975 قام ملك المغرب الراحل الحسن الثاني، بقيادة “المسيرة الخضراء” خلال انسحاب إسبانيا من الصحراء.

زرت نهاية سبعينيات القرن الماضي، بحكم طبيعة عملي، مخيمات الصحراويين في تندوف غرب الجزائر التي انتقلوا إليها عام 1976 من أمغالا، تيفاريتي، وأم دريكة، ورأيت البؤس والفقر والضياع يمشي بين تلك المخيمات الغارقة في الرمال، وفي عيون آلاف الصحراويين الذين لا يمكن اعتبارهم إلا رهائن صراع عبثي وتسويق لوهم أساسه العناد، وهو وضع مضى عليه اليوم زهاء 47 عاما تكدست عليه رمال الصحراء ودفنت تحتها أمال الصحراويين في الحياة.

ومنذ ذلك الحين، عاش آلاف الصحراويين الوهم وماتوا فيه، وآلاف آخرون من الصحراويين وُلدوا في الوهم وسيموتون فيه، وتفجرت ثورة المعلومات الرقمية والإتصالات، وتفكك الإتحاد السوفييتي، وانتهت الحرب الباردة، وسقط جدار برلين، واعترفت منظمة التحرير الفلسطينية بوجود إسرائيل، وتغولت العولمة، وسقطت أنظمة شمولية وأخرى على الطريق، ولا تزال الجزائر للأسف تقبع في وهم تصفية الإستعمار والحدود الموروثة عن الإستعمار الذي رحل منذ زمن بعيد لكنه خلف آليات تدير دول ما بعد الإستعمار، تدفنها في الرمال وتغرقها في الأوحال.

إن العناد والرفض السلبي في السياسة كوارث لا تحل أية أزمات، والحالة الليبية مثال صارخ على ذلك.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …