منصة الصباح

وقودها الليبيون والحجارة

منصور بوشناف

كان سؤال “معنى الكيان” اول أسئلة الثقافة في ليبيا بعد الاستقلال , وكانت الإجابة على هذا السؤال اول مشروع نظري لكيان حديث اسمه “ليبيا” ,

كتاب “عبدالله القويري” “معنى الكيان” طرح السؤال وحاول “القويري” في كتابه الرائد الإجابة عن معنى الكيان الليبي , عن جذوره التاريخية وتجليات وحدته في مواجهة الاخر “الغازي” ووحدة مكوناته الاجتماعية ووحدة ثقافته ومعتقداته رغم تنوعها ..

الثقافة الليبية الحديثة لم تنشغل كثيرا بمعنى الكيان الذي انتجها , لم تنشغل بمكوناته الاجتماعية وتنوعه الثقافي بل ظل يظهر في وعيينا عبر تلك الثقافة “جغرافيا تسكنها قبائل تتكلم العربية وتدين بالإسلام “وتاريخها ينحصر في مقاومة الترك والطليان” أي ان التاريخ الليبي لأي زيد عن ستة قرون من الحروب والثورات ..

اعتقد وبالطبع قد أكون مخطئا ان العقل الليبي الحديث ظل اسير “عدمية تاريخية” لا ترى من ماضيها الا القريب من اثار اقدامها على رمل الكيان الليبي التي تمحوه الريح كلما هبت .

هذه العدمية التاريخية أدت الى معرفة ناقصة ومعيبة لهذا الكيان وبالتالي عدم الادراك لعوامل وأليات النهضة والسقوط الخاصة به .

الانفجار العظيم :

ظللنا نرى عبر ثقافتنا الكيان كتلة واحدة صماء , ونرى تنوعه وتعدد مكوناته ومصادر ثقافته أعراض امراض مؤقته تزول بعطسة قد تأخذ شكل حروب قبلية صغيرة او حملات تأديب من المركز على الأطراف .ظللنا نرقص “الكاسكا” من حين لأخر دون ان نطرح سؤال الثقافة “لماذا الكاسكا ؟ ” لم نسأل ما سر خلود رقصة الكاسكا دون غيرها منذ اكثر من ثلاثة الاف عام على الاقل والى هذا اليوم

الكاسكا رقصة ليبية قديمة صورتها لوحات فرعونية لمقاتلين ليبين وهو يتقاتلون بالعصي , ثم عثر على لوحة تصورها على جدار” بإسكتلندا ” لجنود سبتموس سيفيروس الليبيين عند غزوه لتلك الاصقاع في القرن الثاني للميلاد ولازال الليبيون يرقصونها الى هذا اليوم .

الكاسكا تصور صراعا بين قبيلتين على بئر ماء منذ نهايات العصر المطير وحتى اكتشاف اول بئر للنفط .

في كتاب عبدالله القويري “معنى الكيان” لا تظهر “الكاسكا” كأحد ملامح الكيان الليبي غبر تاريخه , اعني ملمح الصراع بين اهله من اجل الماء والغنيمة , ولكنها تظهر فقط كمظهر من مظاهر مقاومتهم الغزاة لهذا الكيان .وربما هذا احد ما خفاه القويري عن أجيال جديدة وطموحة في تلك الفترة تسعى لبناء لترميم وإعادة بناء ذلك الكيان من جديد .

القويري في “معنى الكيان” يشير الى معركة الليبيين ضد الجغرافيا الشاسعة التي تشتتهم وتعزلهم , قرى وواحات متباعدة ومدنا هشة ونجوعا تهيم على ظهور رواحلها بحثا عن الماء , يقول ان الليبيين انتصروا في تلك الكاسكا بالثقافة و التاريخ وظلوا شعبا مترابطا واحدا رغم حواجز الجغرافيا الكبيرة ..

اليوم وبعد اكثر من نصف قرن على صدور كتاب عبدالله القويري ينهمك الليبيون في رقصتهم الدموية , قبائلا واقاليما ومدنا هشة , ممزقين كيانهم الهش الى نتف ستذروها الريح , وكل هذا الرقص الدموي يجري على ايقاعات موسيقى يعزفها لهم الاشقاء والأصدقاء والاحبة والجيران ووقودها الليبيون والحجارة ..

 

 

 

 

 

.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …