د.أبو القاسم صميدة
هناك اسباب كثيرة ساهمت وساعدت في صناعة العبودية والرقى واطالة امدها، والسؤال هو؛ كيف أطالت زراعة الفول السوداني( الكاكاوية) أمد العبودية؟
الحقيقة فإن تاريخ هذا النبات البقول كان في غرب إفريقيا مشتبك مع تاريخ استرقاق البشر. وافهم المسألة فقد اصدرت دار نشر ( ذا نيو برِس) اصدرت كتاب للمؤلفة جودي لويس عام (2022) تناول تاريخ العلاقة بين الفول السوداني والرقى والعبو ية،
فقد نشأ الفول السوداني الذي نلتهمه اليوم، وهو بذور بقول من النوع الذي نعرفه في ليبيا باسم الكاكاوية ونأكله كجزء من تقاليد شرب الشاي الليبي، نشأ هذا النبات اولا في أمريكا الجنوبية وانتشر حول العالم بسبب الإقبال الواسع عليه كوجبة خفيفة وكمصدر للزيت. ولكن كما نجد في سلع أخرى، ينطوي انتشار الفول السوادني على قصة حول الاستيلاء على الأرض، وإخضاع البشر.
ففي الكتاب الذي يحمل عنوان: «مُستَعبَدون من أجل الفول السوداني» توضح الصحافية المعنيّة بقضايا البيئة (جوري لويس) كيف أن صعود محصول الفول السوادني متشابك مع مسائل الرق، وإبطال الاسترقاق، والإخضاع الديني في غرب إفريقيا خلال حقبة الاستعمار الفرنسي في القرن التاسع عشر. من أجل رفع الغطاء عن هذا التاريخ فقد كتبت المؤلفة لويس دراسة مبنية علي وثائق أرشيفية وصحف ومسوَّدات مؤلفات عن النباتات محفوظة في السنغال وجامبيا وفرنسا، فضلًا عن أنها ضمّنت كتابها تاريخًا شفاهيًا وكلمات الأغاني من حَكّائي الـ«جريو» وهم مُغَنّون يحظون بالتبجيل في غرب إفريقيا كمؤرخين وشعراء، تقول الكاتبة إن دافعها لكتابة قصص هؤلاء الذين لا نجد لهم ذِكرًا في كتب التاريخ راجع، ولو جزئيًا، لفضولها الشخصي كسيدة أمريكية سمراء عانى أسلافُها نَيْر العبودية.، وهكذا على يد المؤلِّفة تصير الوقائع الصارمة حكايات أخّاذة؛ إذ تركز على بضع شخصيات، وتُحسِن اختيار الصور المجازية الدالة وهي تخوض الأرض التي كانت مسرحًا للدراما التي يقصُّها الكتاب. كتبت لويس: “سافرنا كما سافر هؤلاء الذين نتتبَّع خُطاهم، لنرصد كيف سافروا في القرن التاسع العشر في عربة يجرها حصان تهادت على طريق غير معبَّد، منطلقة نحو الأفق”. وتحدثت عن نشوء الفول السوداني الحديث لما قبل أكثر من عشرة آلاف عام، وبدأ في الأراضي الواطئة شرقي جبال الأنديز، ونتج عن تهجين نوعين عتيقين من الفول السوداني، ربما بسبب تلاقَحَ بالصدفة من خلال نحلة. وبحلول الوقت الذي حط فيه كريستوفر كولومبوس رحاله في العالم الجديد، كان بشرٌ كُثُر في أمريكا الجنوبية يزرعون الفول السوداني. وإذ تزايدت جموع المستعمرين ورجال الدين الوافدين إلى القارة، عاد بعضهم بنبات الفول السوداني كهدايا للبلاط الملكي الذي كان ينتظر أن يعرف ما السلع التي يمكن أن يظفر بها من تلك البلاد النائية. ولس معلومًا متى وصل نبات الفول السوداني غرب إفريقيا بالتحديد، ولكن لويس تذهب إلى أن محاصيل الفول السوداني ربما كانت مزدهرة في المنطقة بحلول نهاية القرن السادس عشر. ثم انتشرت الكاكاوية او الفول السوداني بنجاح في موطنه الجديد بفضل المناخ المناسب وبفضل اعتياد المزارعين على زراعة محصول آخر، يُنتج بذورًا صغيرة تحت سطح الأرض وقابلة للأكل، وعندما كانت تجارة الرقيق عبر الأطلنطي تُقارب نهايتها، في النصف الأول من القرن التاسع عشر، ركز مسؤولون فرنسيون في المستعمرات، في البلاد التي يُشار إليها اليوم بالسنغال، على الفول السوداني إذ كانوا يبحثون عن مصادر بديلة للعوائد. كان الطلب يتزايد في أوروبا على الزيوت النباتية والصابون، والفول السوداني كان مصدرًا قليل الكُلفة طالما توفَّر بكميات ضخمة لقاءَ أسعار زهيدة. وكان العنصر الأساسي في تلك المعادلة أن تتوافر عمالة بشرية بلا مقابل. وتغوص لويس في تاريخ كاجور، وكانت مملكة قوية. بحلول العام 1850، كانت كاجور تُنتِج أغلب ما صدَّرت السنغال من الفول السوداني. وكان ذلك الإنتاج يعتمد في الأغلب على أفراد جرى استرقاقهم على أيدي تجار آخرين، رغم الموقف الفرنسي الرسمي أنها كانت بصدد إنهاء الرق في مستعمراتها. وبسبب سلسلةٍ من الثغرات والتبريرات، استمرت ممارسات الاسترقاق. من ذلك، على سبيل المثال، قررت أن الاسترقاق كان مسموحًا به إذا صُنف المستعبَدون على أنهم من «الخَدَم». كتب مسؤولون حكوميون فرنسيون في المستعمرات لرؤسائهم في أوروبا في أواخر القرن التاسع عشر عن “المسألة الحساسة المتعلقة بالمخضَعين”، وفق ما كتبت لويس. وأطلق أحدهم تحذيرًا: “إن عَطّلتم توفير هؤلاء المستعبَدين للمستعمرات، فإنكم ستدمرون الزراعة في أنحاء المستعمرات كلها، وفي مدى قصير”. وذهب الرجل، إفكًا، إلى أن هؤلاء الذين جرى إخضاعهم للرق إنما قدَّموا تلك الخدمات طوعًا، وأن منحهم الحرية سيكون “معاملةً غير إنسانية”. وللوفاء بالطلب المرتفع على الفول السوداني،والأرباح الكبيرة أطاحت فرنسا بالقادة الذين لم ينصاعوا لطلباتها. عندما اعترض حاكم كاجور على خطط الأوروبيين لإنشاء سكة حديد عبر المنطقة لتيسير تصدير الفول السوداني، اجتاح الجيش الفرنسي تلك المنطقة بغير هوادة. وبعد أن أحرقت القوات قرًى عديدة، نشرت بيانًا يقول إنها “جاءت لتؤدي الأعمال الجليلة المطلوبة لجلب الحضارة إليكم”. وكتب قائد عسكري لأمه يصف كيف احترق رجل أسود حتى الموت حين أضرم الجنود النيران في منزله.
لنا أن نرى في كتاب «مستعبَدون من أجل الفول السوداني» إضافةً قَيِّمةً لتاريخ الزراعة وتاريخ غرب إفريقيا؛ على أنَّ بعضًا من قيمة الكتاب، بالنسبة للقارئ ، تكمن في رحلة المؤلفة لويس وهي تتعقب هذا التاريخ في السنغال، البلد الذي عاشت فيه ما يربو على عشر سنوات. عندما لا تحوي الوثائق الأرشيفية أصوات من حرثوا الأرض، فإن المؤلفة تذهب باحثةً عن القصص، فتسأل من هرموا في تلك الأرض أن يستعيدوا ذكريات الأجيال التي خلَتْ، قبل أن تتبدد تلك الذكريات للأبد. وحتى حين لا تُكلَّل مساعيها بالنجاح المنشود، فإن القارئ لا يعدَمُ الإفادة فيما تثير المؤلفة من تساؤلات