منصة الصباح

بالحبر السري … والسؤال موجه للحكومة!

علي الدلالي

انتشرت خلال السنوات القليلة الماضية ظاهرة أحواض السباحة في المنازل التي شُيدت في المقسمات السكنية الجديدة العشوائية والتي انتشرت مثل السرطان على حساب الأراضي الزراعية في ظل تفكك الدولة ومؤسساتها.
ففي الشارع الذي أسكن فيه على سبيل المثال، حتى لا أذهب بعيدا، يُوجد حوالي 20 منزلا نصفهم على الأقل يتوفرون على أحواض سباحة. اللهم لا حسد … ولكن الضرر المتأتي من هذه الأحواض دفعني إلى الكتابة في هذا الشأن العام.
وبما أن أحواض السباحة لم تكن يوما في ثقافتنا فإن التعامل معها سيكون بالتأكيد تعاملا متخلفا وعبثيا تصل أضراره إلى حد العدوان الجائر على مصدر الحياة، الماء، وهو ما يُعرف علميا بـ “الحصاد المفرط”.
وبالفعل يقوم المتوفرون على أحواض السباحة، بسبب جهلهم، بتغيير المياه التي لا يدفعون ثمنها ولا ثمن الكهرباء التي استغلوها لضخها من الآبار التي حفروها بالمخالفة للقانون، شبه يوميا، ويدفعون المياه المستعملة بعد ذلك إلى الشارع متسببين في تلويث المحيط والبيئة ببرك من الماء بسبب افتقار هذه العشوائيات إلى البنى التحتية للصرف الصحي، وتكدس البعوض وانتشار الأمراض.
عامل آخر عبثي ومدمر للمخزون المائي الجوفي يتمثل في قيام أصحاب المحال التجارية والأسواق المتوسطة والكبيرة التي انتشرت هي الأخرى في ليبيا بشكل يوحي بأن تعداد سكان ليبيا يتجاوز الـ 20 مليون نسمة، بالإيعاز إلى العمال الوافدين بتنظيف الأرصفة والمسطحات الخرسانية أمام هذه المحلات حيث يستخدم العامل الذي رأيته يتوضأ في بلاده بنقاط من الماء في قارورة بلاستيكية، بدفع الأتربة المكدسة بخراطيم المياه، بدل جمعها بمكنسة عادية، ما يحدث فيضانات على جانبي الطريق وهي عملية تتكرر يوميا وأحيانا صباحا ومساء، الأمر الذي يتسبب في إهدار عشرات الآلاف إن لم يكن ملايين اللترات من الذهب الأزرق، دون أي اكتراث لا من الحرس البلدي أو الشرطة الزراعية.
ليبيا اليوم، بحسب تقارير دولية، في ظل غياب أية تقارير محلية، كوننا أعداء للاعداد والأرقام والإحصائيات، وإن تحدث مسؤولونا بلغة الأرقام فإنهم لا يُجيدون إلا النفخ، مليون حافظ ومظاهرات مليونية وبناء 3 مدن تستوعب 12 مليون نسمة، هي الدولة العشرين ضمن تصنيف الدول الأكثر تضرراً من نقص المياه والتي من المتوقع أن تعاني أفدح إجهاد مائي في العالم. وترجّح منظمة الأمم المتحدة للطفولة “اليونسيف”، أن يكون نحو 4 ملايين ليبي غير قادرين على الوصول إلى المياه الصالحة للشرب عام 2030، في حال عدم إيجاد حلول جذرية لمشكلة المياه التي تعانيها بلادنا.
هل تتوقف حكومة الوحدة الوطنية قليلا أمام مثل هذه القضايا الإستراتيجية التي تهم حاضر الليبيات والليبيين ومستقبل أبنائهم، بل وحياتهم، وتتخلى على سبيل المثال عن توزيع قسائم الحج المجانية، فالحج لمن استطاع إليه سبيلا، وتوجيه تلك النفقات لإجراء البحوث اللازمة لمواجهة مخاطر العطش الذي يتهدد بلادنا وغير ذلك الكثير؟

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …