منصة الصباح

وزيرة ليبية تصدت لعجرفة وزير يوناني

سهي المغربي

____________

شهدت طرابلس قبل أيام موقفاً دبلوماسياً مستفزاً من وزير الخارجية اليوناني نيكوس ديندياس، الذي رفض إحترام سيادة ليبيا، وضرب بعرض الحائط الأعراف الدبلوماسية، عند رفضه النزول من طائرته بعد هبوطها في مطار امعيتيقة، وأراد أن يرغم الليبيين أن يختار هو من يستقبله ويفرض على الدبلوماسية الليبية الأعراف الخاصة به هو وتجاهل بعجرفة الأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها دولياً.
إن مثل هذه التصرفات غير الحكيمة وغير المتوازنة، تشير إلى نوايا غير صادقة، وتخاذل في دعم حل أزمة ليبيا عبر انتخابات نزيهة وشفافة تنهي جميع المراحل الانتقالية، وتنقل البلد نحو مرحلة أخرى عنوانها الأمن والازدهار٫ فالسلوك اليوناني الذي عكسه هذا التصرف يمكن أن يوصف بأن دعم للانقسام في ليبيا، وعدم إحترام السلطات الليبية المعترف بها دولياً وهي حكومة الوحدة الوطنية.
قد يصف القارئ حادثة عدم نزول وزير خارجية اليونان للعاصمة الليبية في زيارة مبرمجة للقاء رئيس المجلس الرئاسي صباح يوم الخميس الموافق 17/11/2022، على أنه نوع من الصبيانية السياسية والاستهتار في التعامل مع بلد متوسطي أفريقي وعربي يملك شاطئ طويل على ساحل المتوسط يمتد لما يقارب من 1700 كيلومتر، لديه حدود بحرية مع اليونان. ويمكن أن يراه المراقب أنه رد فعل متسرع من اليونان عن استياءها للعلاقة المميزة الليبية – التركية اقتصاديًا وأمنيًا وسياسيًا واقحام صراع أثينا مع أنقرة على الحدود البحرية بينهما في المتوسط في علاقتها مع ليبيا، وبذلك تجاهلت اليونان بقصد عمق وتاريخ علاقات ليبيا وتركيا ومصالحهما المشتركة، ضاربة عرض الحائط أن حقيقة أن ليبيا دولة مستقلة لا تتبع بأي شكل من الأشكال لأي دولة كانت رغم كل الظروف التي تعانيها، وهي ليست بحاجة لأخذ إذن أي دولة في شكل علاقاتها مع دول أخرى خاصة عندما تقرر أن تقود بيدها زمام أمورها وترعى مصالحها المشتركة .
فما الرسالة التي أراد وزير خارجية اليونان توجيهها ؟ وهو يعي ويعلم أن السلطة التنفيذية بقسميها الحكومة والرئاسي يشتركان في الاختصاص والالتزام وفقاً لما تنص عليه خارطة الطريق وقرارات مجلس الأمن، والعالم ملتزم بالتعامل معهما كجسم واحد ، وهذا ما تؤيده أيضًا سياسة الاتحاد الأوروبي في تأكيده دعم الإيفاء باستحقاقات الخارطة وعدم تمديد المراحل الانتقالية!
من جهة أخرى ذهبت بعض الآراء غير الحيادية المنشورة على منصات التواصل الاجتماعي أن بيان الخارجية الليبية الرافض للتصرفات اليونانية ما هو إلا تعبير عن غضب وموقف شخصي للسيدة وزيرة الخارجية نجلاء المنقوش، وهذا دليل واضح على شخصنة التعامل مع هذا الموقف المسيء لليبيا. وتحامل واضح قد يكون سببه أن المسؤول المعني هي إمرأة. لا استبعد أن تعمد بعض المهتمين بالشأن العام من الليبيين تنميط صورة الوزيرة على أنها امرأة ضعيفة وشخصية عاطفية غير قادرة على إنتاج مواقف متزنة ومهنية، هو أمر مشترك بين الوزير اليوناني وبعض خصوم الوزيرة السياسيين في ليبيا.

كما غابت عن هؤلاء حقيقة أن رأس الدبلوماسية في أي بلد هو وزير خارجيتها، وأنه من يمثل أي بلد في المحافل الدولية ويطرق أبواب التعاون لصالح شعبه، ويفتح آفاق المصالح المشتركة. يصافح مسؤولي الدول الأخرى ويناقش نظرائه ويكون سفير بلاده الأول في نقل صورة واضحة عن ماهية وملامح بلده وأوضاعه ومصالحه. السيدة نجلاء المنقوش كانت ضمن 12 أمرأة حول العالم تحصلن على جائزة المرأة الشجاعة التي تقدمها وزارة الخارجية الأمريكية كل عام منذ عام 2007 للنساء اللاتي يظهرن القيادة والشجاعة والتضحية من أجل الآخرين. كما تم تسميتها ضمن سلسلة 100 امرأة شجاعة لعام 2021 والتي تصدرها البي بي سي منذ عام 2013 لتشجيع النساء المثابرات. كما أن أدائها على رأس أعقد القطاعات في ليبيا وهو وزارة الخارجية ، يجعلها علامة فارقة بالمقارنة مع نظرائها في السنوات العشر الأخيرة بموقعها الحالي.
أصبحنا بشكل متواصل نرى ونسمع ونقرأ عن مواقف مختلفة بعضها صدامي أو متحامل وبعض كذلك مزاجي، في تقييم مواقف وسياسات وزيرة الخارجية مع نظرائها في دول عربية وأجنبية؟ لذلك يجب أن طرح الأسئلة المنطقية: ما غاية المنقوش؟ وما الداعي لمثل هكذا مواقف في مرحلة حرجة في تاريخ ليبيا ، وكلنا نعرف هشاشة وضعها السياسي والأمني والاقتصادي في الآونة الأخيرة؟
لعل أبرز هذه المواقف مؤخراً كان انسحاب وزير خارجية جمهورية مصر خلال اجتماع الدورة العادية 158 والذي ترأسه ليبيا من المدة سبتمبر-مارس 2022 حسب الترتيب الأبجدي للدول العربية والذي بموجبه سلم لبنان رئاسة هذه الدورة لليبيا، حيث اتخذ الوزير شكري موقفًا متحجراً معترضًا عن ترأس ليبيا لهذه الدورة وطالب بشكل صريح أن تتنازل ليبيا “متمثلة في شخص الوزيرة” عن الرئاسة مما يعني ترأس الدولة التالية حسب الترتيب وهي مصر. وقام بالانسحاب من الجلسة المباشرة بعد اعتلاء الوزيرة المنصة لاستلام ليبيا رئاسة الدورة في موقف أساء للدبلوماسية المصرية وخالف ميثاق جامعة الدول العربية.
وهنا مجددًا عبرت الوزيرة بكل صلابة عن حق ليبيا الأصيل في تقلد هذه الرئاسة، حتى وإن كانت في مجملها إجراء روتيني متعارف عليه، وجاء بعد غياب ليبيا واعتذارها طيلة السنين الماضية لأسباب نعلمها جميعًا ، لذلك كان موقف الوزيرة أن الإصرار على التواجد والقيادة هو خطوة نحو التعافي حسب قناعة الوزيرة والحكومة، نعم ليبيا تترأس وتناقش قضيتها وقضايا المنطقة وتشارك بها في أعلى مستوى تمثيلي! لما لا؟ وإن لم يكن الآن فمتى؟
وهذا ما تجسد أيضاً في القمة العربية التي انعقدت بالجزائر في نوڤمبر 2022، وأسهمت الوزيرة بكل مثابرة في صياغة البند المتعلق بليبيا الوارد بإعلان الجزائر بعد مناورات ومناوشات دبلوماسية ، بأفضل ما يمكن صياغته فيما يخص ليبيا، حرصت فيه الوزيرة عبر الجلسات المغلقة والنقاشات الماراثونية التي استمرت لساعات مع نظرائها من الوزراء الرجال “حيث أنها بعد استقالة وزيرة الخارجية السودانية نوفمبر 2021 ” أصبحت المرأة العربية الوحيدة في المنطقة في هذا المنصب وهو ما يحتم بضرورة الحال تحديات وضغوطات أكبر ،إلا أن السيدة المنقوش أصرت أن يتم ذكر الانتخابات نصًا في البيان وبكل وضوح بدلاً عن أي صيغ أخرى تقود لمراحل انتقالية جديدة بليبيا، كيف لا وهذه هي إرادة الشعب الليبي، كان جليًا خلال هذه الجلسات، خاصة وأن محاولات إفراغ مقعد ليبيا يسمح لبعض الدول من الحديث باسمها وتقرير مصير الليبيين، ولنا في سوريا خير مثال.
لذلك نحن اليوم في حاجة لنظرة تحليلية شاملة لجميع مواقف حكومة الوحدة الوطنية ووزيرة الخارجية دوليًا، بدءً باستضافة وتنظيم مؤتمر مبادرة استقرار ليبيا في العاصمة الليبية طرابلس أكتوبر 2021 حيث استقبلت ليبيا أكثر من ثلاثين دولة عربية وأجنبية ممثلين في وزراء خارجية هذه الدول ، للاستماع والنقاش عن الوضع في ليبيا! وإصرار الجانب الليبي على وجود ليبيا على جميع طاولات الحوار والنقاش والمفاوضات عندما يتعلق الأمر بها وهو ما افتقده الليبيون والليبيات طيلة العشر سنين الماضية. المصلحة الوطنية لليبيا هي ما يجب أن تحكم سياستها الخارجية، وأهم مصلحة لنا اليوم أن نكون متواجدين في أي لقاء دولي يخص ليبيا لا أن يقرر غيرنا مصيرنا.
كما تجدر الإشارة كذلك إلى ما حدث بالتزامن مع مؤتمر باريس في نوڤمبر 2021 “رغم إصدار المجلس الرئاسي وقتها قرارًا بإيقاف الوزيرة عن السفر” وهو ما يتناقض مع صلاحيات المجلس. ورغم كل التحديات والتقلبات السياسية لم يكن غياب ليبيا من عدمه مطروحاً للنقاش، وتلته العديد من الدعوات والمناسبات التي لطالما غابت ليبيا عنها في العقد الأخير ،ليسمع صوت ليبيا أخيرًا بعد اسكاته لعقد من الزمن. فالخارجية الليبية يجب أن تكون مؤسسة محايدة وتنحاز فقط لمصالح الليبيين ولا تقبل إلا خدمتهم. وألا تغيب عن أي لقاء دولي معني بليبيا ويدعم استقرارها.
الجدير بالذكر أن هذا التمثيل لم يقتصر على مجرد الجلوس والحضور بل كان موقف ليبيا واضحًا مجاهرًا عبر التمسك بإنهاء المراحل الانتقالية وضرورة التوجه لانتخابات حرة نزيهة وشفافة عبر إقرار قاعدة دستورية توافقية”، وهنا يظهر جليًا لأي متابع يقظ لنشاطات الوزيرة الخارجية أنها كانت تؤكد في جل مواقفها وخطاباتها على سيادة ليبيا وضرورة احترام رغبة الشعب الليبي، وأن مانراه من اختناقات تمر بها العملية السياسية هو أمر طبيعي لأي دولة قد شهدت نزاعات مسلحة وتمر بمرحلة انتقالية ولكن هذا لا يعني بالضرورة أن تؤطر ليبيا دومًا ضمن اطار النزاعات والفوضى، فلكل مرحلة انتقالية نصيبها من التحديات والفرص.
جددت الوزيرة مرارًا وتكرارًا ترحيبها بكل الدول الصديقة والشقيقة لزيارة ليبيا وفتح سفارتها، ودعت لتسهيل إجراءات حصول الليبيين على تأشيرات الدخول لكافة الدول، ودعمت جهود استئناف رحلات الطيران المدني ، ودعت الشركات وأصحاب المشاريع للاستثمار في ليبيا، فمن وجهة نظرها الاستقرار الاقتصادي من أهم عوامل الاستقرار الأمني والسياسي لأي بلد خاصة في بلد تتوفر فيه الإمكانيات من حيث المساحة والموارد البشرية والطبيعية ، والموقع الجغرافي ، والمناخ المعتدل، وموارد كبيرة للطاقة، يمكنها أن تخدم المصالح الاقتصادية المشتركة بين ليبيا وكل دول الجوار والعالم.
وشهدنا خلال الأشهر الماضية زيارة الكثير من الشركات الدولية والعربية لدراسة الواقع عن قرب في ليبيا وبحث فرص التعاون ، وتم استئناف رحلات الخطوط التونسية والمصرية بعد سنين من الانقطاع ، وأعلنت الخطوط التركية والمالطية والاماراتية عن قرب موعد عودتهم لليبيا، وافتتحت الخطوط المالطية قبل أيام مكتبها في العاصمة الليبية، وكذلك أعلن طيران راين إير قرب تدشينه خطاً جويا نحو ليبيا. في كما عادت بعض السفارات الأجنبية للعمل من داخل البلاد بعد أن هجرتها عام 2014! وهذا أسهم في عودة الكثير من سفراء وقناصل الدول الصديقة والشقيقة للعمل من داخل ليبيا في إشارة دبلوماسية إيجابية عن استقرار الأوضاع بها.
عبرت حكومة الوحدة الوطنية وعبر وزارة خارجيتها عن حسن نواياها و ترحيبها باستقبال والعمل مع الجميع لما يخدم مصالح ليبيا والبلد الشريك. وشجعت دومًا الدبلوماسية الإيجابية الرصينة فأقامت قنوات الاتصال والتعامل مع الجميع بتوازن ، كما اتخذت مواقف جريئة وشجاعة في الساحات الدولية فيما يخص ملفات حقوق الإنسان وغيرها من المواضيع التي كان موقف ليبيا فيها مؤسس على حقيقة أن “المبادئ لا تتجزأ وأن موقفنا ثابت ضد الانتهاكات في أي بقعة كانت”، وحول موضوع الهجرة غير القانونية عبرت الوزيرة في أكثر من منبر عن أن هذه مسؤولية دولية وليست مسؤولية ليبيا فقط ، بل تتشارك فيه كل دول الجوار والمنطقة المخاوف والتهديدات.
تبنت ليبيا موقفاً واضحاً أن الحل الأكثر واقعية هو المساهمة في تحسين الأوضاع في الدول التي تشهد خروج أعدادًا هائلة من المهاجرين ، فالذي يدعو الإنسان للزج بنفسه في غياهب المجهول من بر وبحر وتحمل كل أنواع العنف والجوع والعطش ما هو إلا انعدام الفرص والعيش الكريم في بلده! وهو ما يجب أن يتم استثمار أموال الدول الغنية والمنظمات الدولية المعنية بهذه الدول بدلًا عن محاربة الهجرة والمهاجرين القادمين منها! وتوجيه الاتهامات لبلدان تشهد صراعات وأزمات داخلية مثل ليبيا. كانت رسالة ليبيا دائماً واضحة “التنمية والاستثمار في هذه الدول بدلاً عن رفض ومحاربة المهاجرين القادمين منها”.
قد يصف البعض وزيرة الخارجية المنقوش “بالسندباد” لكثرة سفرها، وقد يتهمها البعض بالتقصير فيما يخص الشأن الداخلي الإداري لتعقيد المشهد الداخلي وكبر حجم الإرث نتيجة تعاقب الحكومات وانقسامها،وقد يرى البعض أن كل ما فعلته المنقوش لاشيء ، وأنه مجرد فقاعة إعلامية. غير أن من عاصر وشاهد وحضر أي من لقاءاتها واجتماعاتها وسفرها مستمعًا لنبرة الحزم الصادرة منها في ضرورة أن يقرر الليبيون والليبيات مصيرهم. مصرة أن استعمال نفس الأدوات والحلول السابقة لن يجدي بل أنه مجرد تضييع للوقت وإطالة للأزمة. وداعية لتغير لغة الخطابات الدولية والمحلية السوداوية في التعبير عن الوضع الليبي فليبيا حسب تقديرها تتعافى وليست “حالة ميؤس منها” كما هو الحال في بعض الدول الأخرى ويجب علينا الاحتفاء حتى بالإنجازات الصغيرة التي تمس المواطن وأمنه ويومه وأن نبني عليها كل ما يعزز مفهوم السلام والعيش المشترك ذاك أن الليبيين جميعًا قد سئموا الحروب والاقتتال وأي محاولة لإضرام فتيل الحرب ستحرق الجميع ليس فقط ليبيا.
ختامًا، قد يطول الحديث إن أردنا سرد التفاصيل لما يجري في كواليس السياسة الخارجية ، ولعل ما يظهر في الإعلام ويتداوله الناس ليس إلا جزء بسيط من زاوية واحدة متحاملة في بعض الأحيان، وهناك زوايا أكثر تعكس الحقيقة الكاملة ، وهذا ما أردت المرور عليه ولو بعجالة من باب تسمية المسميات باسمها وإنصافًا لجهود وطنية حثيثة لارجاع صورة ليبيا واستعادة مكانتها في الساحات الدولية وتغيير ما طبع في ذاكرة العالم مؤخراً عن ليبيا الحرب والانقسام!
فلا يمكن أن نتحامل على السيدة نجلاء المنقوش وأن يكون استهدافها مبنياً على أسس غير منطقية ومزاجية، بدون تقييم الموقف العام الذي تعيشه ليبيا اليوم وموقع وزارة الخارجية في الدفاع عن مصالح الليبيين. نحن اليوم في حاجة لدعم موقعها وقد عُرف عنها ترحيبها بكل الملاحظات ومناقشة كل الخطط التي تسهم في تطوير وزارة الخارجية وإتاحة الفرصة للكوادر الشابة والمهنية للعمل والمساهمة في خدمة ليبيا ومصالحها ومصالح الليبيين.

 

شاهد أيضاً

بلدي زليتن يناقش إزالة التعديات على خط الغاز

ناقش عميد بلدية زليتن مفتاح حمادي، آليات إزالة التعديات على خط الغاز الممتد من مصنع …