زايد…ناقص
جمعة بوكليب
“القريةُ السجنُ” اسم الوليد الجديد، الذي أطلَّ علينا مؤخراً، بتوقيع سجين الرأي السابق الصديق صالح اشتيوي الدعيكي، وأحتفينا بانضمامه إلى أسرة السِير أو المذكرات السجنية، التي كتبها سجناء رأي ليبيون سابقون، بهدف توثيق سنوات الجمر التي قضوها في زنازين سجون وطنهم. وصالح اشتيوي الدعيكي واحدٌ من أولئك المناضلين، الذين تنكّبوا عناء تذكر تلك السنوات المُرّة، وحرصوا على توثيقها.
وللأسف، حتى هذه اللحظة، لم تتح لي فرصة اقتناء الكتاب وقراءته. ولا أظنني سأحصل على نسخة منه، في المدة القريبة القادمة. وهذا يعني أنني لن اتمكن من الاطلاع على محتوياته، إلاّ لدى قيامي بزيارة إلى طرابلس. وأتمنّى على الله أن يمد في عمري، وأتمكن من تحقيقها قريباً.
لكنّي تابعت باهتمام وحُبّ، عبر الانترنت، الأحتفالية التي أقيمت ، بمنزل محمود بي الثقافي بطرابلس، في الأيام الماضية. وتمنّيتُ لو كنت متواجداً ضمن الحاضرين، لكي أشاركهم بهجة الاحتفاء.
الرغبةُ في الاطلاع على ما كتبه الرفيق السابق، في سجون الفاشية العسكرية الليبية، نابعةٌ من اعتقادي بأن شهادته ستكون مختلفة ومتميزة جداً، لأنّه مختلفٌ ومتميّزٌ سياسياً، بالمقارنة مع أغلب من كانوا معه في السجن. دخل السجن وحيداً، وليس ضمن مجموعة. وحافظ على استقلاليته، وتمكن من النجاة من كل الفخاخ التي نصبت له بغرض استيعابه ضمن فريق أو آخر. إلى جانب ذلك كان محبوباً من الجميع، ولم يدخل في خصومة مع أحد. وهذه المزايا سوف تمنح كتابه وسيرته نكهة خاصة، وتعطي شهادته مصداقية ليس سهلاً على كثيرين، ممن كانوا معه في السجن الحصول عليها، بسبب أهوائهم السياسية الواضحة، والتي تنعكس بالتأكيد في شهاداتهم، سواء من سعى إلى كتابتها ونشرها أو من لم يفعل بعد. وأن تواضعه الشديد، وخُلقه الكريم، في رأيي، سوف يبتعد به عن التبجح بانتحال أدوار بطولة وهمية مقيتة، كما أتوقع عن تبتعد محتويات الكتاب عن الدوغمائية العقائدية، التي اطلعنا عليها في سير سجنية أخرى، ولم تضف لصفحات التاريخ شيئاً يستحق الإشارة إليه.
الوليد الجديد يحمل ملامحه الخاصة به. لذلك سيكون إضافة مهمة إلى ما تمّ توثيقه ونشره حتى الآن من كتب السير السجنية، كونه يتيح للقرّاء، فرصة الاطلاع على تجربة سجنية متميزة.
عنوانُ الكتاب “القريةُ السجنُ”، في رأيي، لافت للاهتمام. ذلك أن المؤلف اختار أن يشبّه السجن بالقرية. وهو تشبيه أثار سؤالي. لأنّ القرية والسجن مفردتان بذاكرتين مختلفتين، وتحيلان المرء على معنيين مختلفين. والحرّية أساس الأختلاف بينهما. فالقريةُ، كما نعرفها، فضاء مفتوح على الحرّية، في حين أن السجن فضاءٌ مغلق بالأسوار والابواب والحرس، ووجد أصلاً بغرض العقوبة، ممثلة في الحرمان من الحريات والحقوق المدنية.
لا أعرف السبب الذي جعل المؤلف يفكر أو يختار تشبيه أقسام السجون، التي عاش فيها معاناة السجن ومرارته بالقرية. فالسجن بيئة غريبة لها قوانينها ونظمها، التي تختلف عن نظم الحياة الاعتيادية في القرى أو في المدن. وهو مكان إقامة مؤقت على الأغلب. ومن يؤتي بهم قسراً للعيش بين جدرانه وأسواره مجبرون على ذلك بالقوة. إلا أن هذه التساؤلات على كثرتها لاتفسد بهجة صدور الكتاب أو الحرص على قراءته. ومن الأفضل تأجيل طرحها والانتظار حتى اقتناء نسختي من الكتاب. وحتى تحين اللحظة تلك، فإنني انتهز هذ الفرصة لأحيي الصديق صالح على انجازه المهم، وأحيي كذلك كل الأصدقاء والزملاء من سجناء الرأي الليبيين، الذين سارعوا بتوثيق تجربة السجن، وتنكبوا عناء الصبر، وعذاب استعادة تلك السنوات المُرّة وتوثيقها.