براح
محمود البوسيفي
هذا صباح بصيغة البرتقال.. أو لنقل أنه يشبه الرضاب بقدر ما تقترفه اللزوجة من آثام، هذا نهار من فضة وحناء.. ولأن الأمر لا يحتمل التأويل.. كان لابد من امتداح فضائل الحبيبة.. لابد لهذا الصباح اللعوب ان يعرف ان الحقول من بعض تلك الفضائل.. وان القمح والظباء وتويجات الزهر وندى الثمار المطمئنة بعض حاشيتها.. أدرك وإنا اشبك ذراعي بمرفق هذا الصباح الفرحان ان البوح عطر الكلام.. مثلما هي الموسيقا ارتجافة الطين.. وأقول كيف يتنفس العاشق أمرأة من اول السطر.. أو اقول لك الصبوات.. وما يبتكره النحل.. لك فاكهة اللغة والقوس الملون وأسرار المحار.. لك شهقة المرمر.. ولذاذة الأشرعة.. لك النهار الطروب.. وصباحات الياقوت وبلاغة العنب.. لك البياض الزعفراني _ حيث لا عتمة ولا عطانة _ لك النوار في فتوته.. لك الصولجان.. تقريظ فضائل الحبيبة غواية استجيب لها بطيب خاطر.. فأقول عن شبابيك بدون قضبان.. وعن بوح الكراريس ،وعسل النعاس، ولهاث الضفائر، وعن جدوى الأنهار الساكنة في عينيها.. وحين لا يعود للقول من معنى اعطيها سماء ملبدة بالغناء ومدينة البحر ونفائس حقول الليل، ومعاني الكلمات، اعطيها سهوب من حنطة، غيمة من فراشات، وطمأنينة الدراويش.. واقول مأخوذا.. وجهك إطلالة على بهو أعمدة الاوركيد.. وجهك رحيل في الشفق.. حناء ونعناع ومطر صديق.. وجهك شهقة فجر.. وجهك مطر.. نهر.. طهر.. ومدائن من عقيق واقحوان.. وحين لا تكون الحبيبة في أفق اللوعة تبدأ الوحشة.. فراغ مزدحم بالرماد.. مدى من العناكب وطنين مفجع.. كالبراكين الخامدة اتشرنق في عتمة مبصرة، وكل ما حولي غبار.. الوذ بي.. أسألني عن الأرصفة والكلام المباح.. اغيب في صخب الغياب..
تهطل الحبيبة _ حين تجئ _ بعذوبة الابتهال وبالتواشيح الراعفة بالغزلان تتقافز في مدى اللهفة.. تجئ _ حين تهطل _ بسلال من ندى ضحوك.. وحروف بالغة سن الرشد.. وقوافل من عصافير مطمئنة.. تمنح عطرها للنايات وللقصائد وللغسق وللبنات والفراشات وللمرافئ.. مجيئها هطول يشبه الليل وهو ينسج هارموني الحباحب تسدد التماعاتها في طزاجة الحلكة.. تشبه الأناشيد او لعثمة العاشق أوان الحضور.. يا للفضائل التي تغدقها الحبيبة على مروحة القلب.. يا للخفقان يهجس بأسمها.. واقول هل هذا قلبي حقا.. ام تراه بلاد أخرى.. ام هو سماء داهمها الحنين فصارت صلاة.. يا ويح هذا القلب وهو يغفو على غيمة او رجفة او ارتعاشة.. على أمل لا قيظ به ولا ظمأ..