جمعة بوكليب
حين ساءتْ أحوالُ أفراد العائلة، وضاقتْ بهم الدنيا، وانعدمت الحلول، لم يجد ربُّ العائلة من بُدٍ، سوى اللجوء إلى سؤال الفأر، الذي كان يشاركهم الاقامة في البيت منذ زمن، لعله ينجدهم برأي مفيد، قد يدلهم على مخرج.
الفأرُ، نتيجة طول الاقامة في بيت العائلة، على علم بما يعانيه أصحاب البيت منذ فترة، وأنعكس ذلك سلباً على حياته. لذلك السبب، لم ينزعج لمرأى ربّ العائلة واقفاً أمام حفرته صباحاً في أنتظاره، وكأنه أدركَ بالغزيزة المراد.
لدى خروجه، حيّاهُ ربُّ العائلة تحية الصباح، وسأل عن صحته وأحواله. الفأر، بطبعه، حيوانٌ حذرٌ جداً مثل البشر. لكنّه، على عكسهم، لا يخلو من حكمة. وحكمته لا تظهر للبشر، لأنهم، بطبيعتهم، يظنّون أنهم أذكى المخلوقات، ولا تنقصهم الحكمة. وينظرون إلى بقية الكائنات بدونيةٍ واحتقار، وخاصة الفئران بسبب صغر حجمها، وخوفها التاريخي المعروف أمام القطط.
البشرُ لا يعلمون أن الفئرانَ حَباها الله بقلوبٍ رحيمة، وحساسة جداً، وشديدة التعاطف، وخاصة مع البشر الضعفاء، والمساكين من أمثال ربّ العائلة. لكنها، أي الفئران، لا تحب كثيراً جداً التعاطف مع الفقراء منهم، لأنهم بالخبرة وبالتجربة، لا يتورعون، إذا جاعوا، عن الامساك بها، وأكلها. والفأر المعني في هذه الحكاية، كان قد التجأ للاقامة في بيت تلك العائلة، فراراً من جور الأيام عليه، كما جارت على العائلة. وبعد أن تبيّن له أن العائلة كريمة، وأولاد أصل، و ليس لديهم سوى قطّ واحد، ومن الممكن جداً بشيء من الحكمة والصبر، تفادي عدوانيته، وربما بمرور الوقت يتم تدجينه، وقد يصاب بنوبة عقل تجعله ينسى طبعه العدواني. إلا أن القطّ ظلَّ قِطّاً يَقظاً عُدوانياً، رافضاً التنازلَ، ولو قليلاً، عن طبعه، وكرهه للفئران عموماً، وللفأر المقيم في البيت خصوصاً.
الفأر، حين سمع ربَّ العائلة يحييه، ردَّ التحيةَ بمثلها. وسأل مضيفه عن الأحوال. زفر الرجل بقوة، وكان مصيبةً تخنقه، ورد قائلاً بأن الأمور تسير من سيء إلى أسوأ، ولم يعد لديهم في الدار من مخزون القمح والشعير شيئاً، وأن الديون تراكمت عليهم، ولم يجد حلاً للمعضلة سوى بالقدوم وطرق باب الفأر لعله ينجدهم بحلّ يكون فيه الخلاص للعائلة، وله أيضاً.
يقولون إن الحَاجَةَ أمُّ الأختراع. لكنهم ينسونَ أن الحكمةَ، أحياناً، تكون بنت اللحظة. وتلك اللحظة، تحديداً، رأي الفأر الفرصة سانحة له لضرب عصفورين بحجر واحد: التخلصُ من القطّ البليد، وضمانُ وجباته الغذائية.
بدأ جوابه بتطييب خاطر الرجل، مؤكداً أن الأزمة طارئة ومؤقتة، وأن “الخير جاي” قريباً، “اكداس اكداس وعرام عرام.” وستعود الأيامُ الحلوةُ بأكثر حلاوة. وما عليهم سوى الصبر قليلاً، لأن الله رحيمٌ، ولا يمكن أن يترك عباده، من أمثال ربّ العائلة وأفراد اسرته الطيبين الودودين، في تلك الضائقة لفترة طويلة. وأنّه، إلى أن يحين حلول وقت الفرج، ويرسل الله رحمته الواسعة، وتزول الضائقة، فإنه يود اقتراح كفيل بايجاد مخرج مؤقت يهوّن من شدة الضائقة، إلى أن يأتي الخير قريباً، “اكداس اكداس وعرام عرام.”
بانتْ أساريرُ بهجةٍ على ملامح وجه ربّ العائلة، وانفرجتْ شفتاه المتيبستان العابستان عن طيف ابتسامة، وطلبَ من الفأر أن يُعجّل بما لديه من حلول، فكله آذان. اقترب الفأرُ براسه من مضيفه، وقال، بصوت صريح وواضح وواثق، أنّه، بالخبرة وبالتجرية، يرى أن يقوم ربُّ العائلة، وفي الحال، بالامساك بالقطّ، وأخذه فوراً إلى السوق وبيعه. وبما يتحصل عليه من مال، يشتري جبنة، ويعود أدراجه إلى البيت سريعاً.