منصة الصباح

“آتيلا آخر العشاق” لسردار عبدالله: رواية الوجع الكردي

صدرت عن “دار هاشيت أنطوان/نوفل”، رواية “آتيلا آخر العشاق” للكاتب والسياسي الكردي سردار عبدالله. تحكي الرواية التي تقع في 486 صفحة من الحجم المتوسط، سيرة الثورة الكردية، وتعالج الصراعات الاجتماعية والطائفية والقومية، والتعايش القومي الذي يتوج باستشهاد مقاتل عربي في صفوف الثورة الكردية.

إنها رواية المؤمن العالق بوادي الحيرة الذي يذكره الصوفي فريد الدين العطار، فتشكل كأس الخمر، الحد الفاصل بين الكفر والإيمان، لتستمر معاناة القارئ لمعرفة مصيرها حتى نهاية الرواية، كما عانت الطير حين عبرت الوديان السبعة.

يستهل آتيلا السرد في ليلته الأخيرة، متحديا الله بكأس خمر، فيقرر شربها حين يغضب ليكفر، ثم يستغفر فلا يشربها. وتستمر مكابدته بين شربه الخمر ,البقاء وفيا لتوبته التي تلقاها على يد حبيبته القروية فاطمة، التي سيقت مع عشرات الآلاف الى المقابر الجماعية.

يسرد شاسوار الفصول بالتوالي مع آتيلا، مستذكرا أحداثا من تاريخ العراق وكردستان، موفرا بذلك الخلفية السياسية لها. يلتقي مقاتل شيوعي عربي بشاسوار الذي يريد قتله، لكنهما يمضيان ليلة صفاء خمرية عن الشعر والحديث عن الصوفي فريد الدين العطار، فيهيم آتيلا حتى يحصل على نسخة من “منطق الطير”، فتنزل فيه روح العطار. ويحرقه الشوق الى مزارات العشاق، ومعابد يصلي فيها متجاوزا خلافها مع دينه الإسلامي، ويزور مرقد العطار في مدينة نيسابور، فيقيم فيها ويتعلم العزف على آلة الطنبور. يمثّل حضور العطار وكتابه، مجمل الفضاء الصوفي للرواية، التي تقتبس عشرات الحكايات من “منطق الطير”.

إنها رواية وجع الكردي، وحملات ابادته وثوراته. سفر العشق الذي يختلط فيه عشق الأنثى، بعشق الكأس، بعشق الثورة، بعشق الله الذي يغرس حب البشر وحب جميع كائناته. تختلط فيها الأسطورة بالواقع، من خلال حضور أنبياء وأولياء يلتقيهم في عروجه الأخير نحو السماء، في مشهد ينتهي باندماج روح آتيلا بروح فاطمة وبالذات الالهية كما حدث في نهاية رحلة الطير واكتشافها الذات الالهية في مرآة، ابدعها فريد الدين العطار في كتابه.

يطلق آدم لقب آخر العشّاق على آتيلا، فيستنتج شاسوار أن لحظة الخلق هي لحظة عشق آدم لحواء، ويفند كالعطار دور العقل في فهم العشق. ويختم بالقول: اذا كان آدم أول العاشقين، فإن آتيلا هو آخر العشاق، فهل جاء يبشر بدين جديد؟

يُذكر أن سردار عبدالله كاتب وسياسي كردي ومرشّح سابق لرئاسة العراق. ترأّس هيئة تحرير مجلات وصحف كردية عديدة بعد سنواتٍ أمضاها في جبال كردستان ضمن قوّات البيشمركة الكردية. له إصدارات عديدة باللغتين الكردية والعربية. “آتيلا آخر العشّاق”، روايته الأولى بالعربية

***

مقطع من الرواية

بينما يسيطر عليّ هذا القول المتكرّر ﴿ما تدري نفسٌ بأيّ أرض تموت﴾، أتوهُ في لغز قطعة الأرض التي يمكن أن يكون أبو سعد دُفن فيها. أين تقع؟ وهل تحمل شاهداً شامخاً كما يتمنّى جميع الناس، أم هو لم يحصل حتّى على ذلك؟ وما قيمة كلّ هذه الأمور أمام ردّ أبي سعد على آتيلا يومها حين خاطبه ممازحاً، بطريقة يملأها الودّ، تصاحبها ضحكةٌ رقيقة: “وهل يهمّ بأيّ أرضٍ نموت؟ نحن لم نترك ديارنا وأهلنا وحبيباتنا لكي نبحث عن قطعة الأرض التي نُدفنُ فيها… دع عنك كلّ حديث الآخرة هذا، وقل لي كيف تؤدّي صلاتك؟ هل هي على طريقة أبيك التركماني الشيعي أم على طريقة أمّك الكرديّة السنّية؟”.

لم أرَ آتيلا مرتبكاً بهذا القدر من قبل. بعد شيء من التردّد، قال بارتباك يروم الحسم: “لا أعرف، فلم أرَ أبي يصلّي يوماً، ولم أُدقّق في صلاة أمّي وذلك لتيهي وانغماسي في الدنيا وملذّاتها. لكنّني الآن بعدما هداني الله وأعلنتُ توبتي أمام الشيخ فأنا والحمد لله مسلم أؤدي صلاتي على طريقة الإمام الشيخ كاكه حمه البرزنجي و…”.

قاطعه أبو سعد بابتسامةٍ مشاكسة: “الإمام الشيخ كاكه حمه البرزنجي، أم… الإمامة الشيخة فاطمة البرزنجي؟”.

وغرقنا نحن الثلاثة في ضحكة جميلة تتفجّر فرحاً وصدقاً يتجاوز كلّ الخطوط الحمر الإيديولوجية المرسومة بالدم والبارود.

شاهد أيضاً

مُشاركة ليبية في كتابٍ عالمي حول ثقافات السلام

  شاركت عميد كلية اللغات بجامعة بنغازي “د.هناء البدري”، رفقة أخريات من فلسطين، والسعودية، وبريطانيا، …