بلا ضفاف
عبد الرزاق الداهش
وجدتني ذات بداية صحفية أمام ملف يتعلق بالشركة الأهلية للملابس، والذي يتضمن كمًا من المخالفات، والتعديات.
كان ثلاثة من الموظفين لعل أحدهم عضوا في لجنة الإدارة، لقبه “الفهري” إذا لم أكن مخطئا، زودوني بكم من المعلومات، معززة بكم من الوثائق.
كان حماس الشباب لدي أقوى من استخدام الحدس الصحفي، أو ممارسة التقصي، والتحقق، وتحري الدقة.
وكان استعجال النتائج أقوى من التروي، والاستماع للطرف الأخر، فاذا جاء الأول فاقد لأحد عينيه، فقد يكون الثاني قد فقد عينيه الاثنين، ولم يقدر على المجيء.
نشر الملف، وقد حظى بسيل من الإشادات، وكلام عن مجهود متميز، في الحقيقة لم ابذله، فالملف لم أذهب إليه، بل جاء لطاولتي في صالة التحرير.
في اليوم التالي جاءني مفوض الشركة بصحبة موظف أو اثنين، وكان لقبه اذا لم تخذلني الذاكرة “العالم”.
فند الرجل مستقويا بالمستندات ايضا، كل ما ورد عن الطرف الأخر، ولعله بالحماس نفسه، والاندفاع نشرت الردود، زائد ما قدمه مفوض الشركة جديد.
عاد عضو الادارة وجماعته، وكان على احدهم أثار تعذيب. وبشعر محلوق، ووثائق أخرى وهكذا.
كان الخطأ بالنسبة لي معلما، فتعلمت أشياء كثيرة، وأكتشفت أشياء أكثر.
تعلمت أن الصدق أهم ألف مرة من السبق، وقبل ذلك امتحان الأذى.
اكتشفت أنه لا شيء في ليبيا يعطى بالمجان، إلا الجبنة في مصيدة الفئران، وأن المصلحة العامة اخر اهتمامات الليبي.
واكتشف ايضا الناس وهم أكثر ميلا لتصديق الفضيحة، وليس الحقيقة.
وصارت الصحافة مهنة البحث عن الفضيحة لا البحث عن الحقيقة.
واليوم للاسف صار حجم التضليل أكثر، وحجم التسييس أسوأ، والحقيقة معتقلة في زنزانة المصالح الحزبية، والقبلية، وأهم من ذلك الخاصة.