منصة الصباح

 التنمية ثم التنمية 1

حـديـث الـثلاثـاء

مفتاح قناو

 

تعتبر منطقة الشرق الأوسط مند عدة عقود بؤرة الصراعات السياسية والعسكرية الدولية لعدة أسباب، منها أنها تتوسط العالم جغرافيا، وأنها تضم منطقة الصراع الديني بين الديانات السماوية الثلاث، وزاد من حدة الصراع طبيعة وجود الدولة العبرية التوسعية التي أقامها وعد بلفور البريطاني، كما أن وجود ثروات نفطية وغازية كبيرة، ومحاولة السيطرة عليها من طرف الدول الكبرى، كل ذلك جعل المنطقة عرضة للكثير من السياسات بل والمؤامرات الخبيثة التي لا يعرف سكان دول المنطقة هدفها البعيد، بينما هي واضحة لمن يخططون للسيطرة على المنطقة لمئات السنين القادمة .

فقد أصبح من الواضح أنه يوجد فيتو استعماري على التنمية الحقيقية في دول المنطقة، فالدولة المصرية مثلا كانت في ستينيات القرن العشرين قد بدأت مشروعا نهضويا لبناء قدرات حقيقية في التصنيع والتنمية، وقد تزامنت مع بداية دولة كوريا الجنوبية، التي كانت في نفس مستواها الحضاري والتنموي، وحيث أنه لم يكن هناك فيتو على تطور كوريا الجنوبية فقد حدث لها قفزة كبيرة لتصبح من الدول الصناعية، بينما ضاعت مصر في مناخ سياسة الانفتاح الساداتي.

التنمية في منطقة الشام كانت معدومة رغم مليارات الخليج والسعودية وعلاقاتهم الجيدة على الدوام بسوريا ولبنان إلا أنه من الواضح وجود فيتو على إقامة أي مشروع تنموي يقهر الصحراء الممتدة بين الشام والحجاز، فقد حاولت الدولة العثمانية في أواخر عهدها تنمية المنطقة حيث أقامت خط سكك حديد الحجاز والذي يصل بين مدينة دمشق ,المدينة المنورة، والذي قصر زمن انتقال الحجيج من عشرة أيام بالقوافل إلى عشرة ساعات بالقطار.

وكان ثورة تقنية كبيرة في ذلك الزمن، حتى جاء الانجليز فيما عرف بثورة الشريف حسين، وأول ما فعلوه هو اقتلاع خط سكة حديد الحجاز، وعدم السماح بإنشاء غيره إلى يومنا هذا، لأن خطوط السكك الحديدية هي من وسائل التنمية، تقام عليها مع مرور الزمن المدن والقرى وتكون هناك تنمية حقيقية لكن الفيتو أصلا ضد التنمية.

التنمية الحقيقية في العراق الدولة النفطية كان عليها فيتو أيضا، حيث تم توجيه القيادة البعثية إلى تكوين جيش ضخم، وعندما يصبح لدى رئيس أي دولة جيش ضخم، لابد له من البحث عن عمل لهذا الجيش، فان لم يكن لهذا الجيش من عمل، فسيثور على القيادة السياسية للبلاد، لذلك كان لزاما على القيادة العراقية فتح مشروع ينشغل فيه الجيش وكانت الحرب مع إيران التي استمرت ثمانية سنوات، ولو صرف نصف ما صُرف على الحرب في تنمية العراق لما كانت هناك ضرورة للحرب، ثم كان إغراء هذا الجيش الكبير وقيادته على غزو الكويت، وهي القشة التي قصمت ظهر البعير وأعادت المنطقة إلى عصر الاستعمار المباشر.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …