منصة الصباح

رسالة شكر لصديقي ..

بقلم /جمال الزائدي

ربما كان يكبرني بثلاثة او أربعة أعوام جمعتنا صداقة بلا مصلحة طوال سنوات دراستنا معا بثانوية العصماء للعلوم الهندسية وكذلك عدة فصول دراسية بمعهد طيران سبيعة ..لا مشتركات بيننا فهو لا يدخن ولم يحاول تجريب الحشيش ولم يكن يصلي ايضا مع الصلاة كانت موضة تلك الايام ولا اهتمامات ادبية او سياسية لديه لايعرف البروسترويكا ولا الغلاسنوست ولا تعنيه القضية الفلسطينية ومع انه كان يعقد علاقات متعددة مع البنات فقد كان كتوما ..اغرب شيء أننا حين كنا نتسلق جدار المدرسة الثانوية كالقرود كي نهرب من أجل الذهاب إلى الجامعة التي لم تكن تبعد عنا كثيرا ومشاهدة الفتيات الناضجات بملابسهن زاهية الألوان على عكس زميلاتنا الصغيرات اللائي كن يلبسن مثلنا زيا عسكريا كئيبا ..كان هو يتركنا للهونا ويتوجه إلى أحد مراكز توزيع اجهزة قاريونس الالكترونية يقف بالساعات هناك وسط الزحام ليبتاع مسجلا او تلفازا او اي شيء ويكسب خمسة او عشرة دنانير ..
عندما تخرجت من معهد الطيران وذهبت لأداء الخدمة الوطنية العسكرية رغم لياقتي الصحية البائسة في ذلك الزمن بينما أولاد المسؤولين والمبسوطين القادرين على دفع الرشاوى يؤدون الخدمة الانتاجية المريحة ..ظل خالد صديقي الوحيد الذي أتواصل معه وسط الظروف الصعبة .. توسع نشاطه التجاري بعد ان ترك دراسة الطيران وكانت الصين قبلته الدائمة ..حاول أكثر من مرة اقناعي بمرافقته قائلا لن تدفع شيء ولا اريد منك شيء فقط جواز سفرك ..لم يستهوني الأمر ولم استطع ان اخبره اني اساسا لا املك جواز سفر ..
بعد وفاة والدي ودخولي للصحافة وانشغال خالد بتجارته حيث افتتح عدد من المحال لبيع الملابس في اكثر من منطقة في طرابلس ..انقطع التواصل بيننا تقريبا حتى زارني ذات مرة بمكتبي في صحيفة اويا ..كان سعيدا وفخورا ان رآى صديقه البائس يحقق نجاحا في شيء ما ..اظنها تلك المرة الأخيرة التي التقيه فيها ..
قبل أربع سنوات سمعت ان صديقي ذهب الى البحر صحبة ابنه ولم يعودا الى اللحظة ..لقد مات خالد ولم أتمكن حتى من البكاء عليه ..وانا اتذكره هذا المساء لأقول له شكرا لك لأنك مررت من هنا ..

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …