“جينات أم عادات ؟
بقلم /محمود السوكني
في مدارج الطفولة اصطحبني أبي ذات مرّة إلى «باب الجديد» أحد الأبواب المفضية إلى المدينة القديمة .
حيث أستسلم بكل سهولة إلى أحد المختصين بالحجامة ومن ثم عرج على أحد طهاة الشاهي الأحمر القاتم وأنا في كل هذا شاهد لادور له فيما يحدث .
كان الجو قائظاً شديد الحرارة والعرق يتصبب من غطاء الرأس (المعرقة) والعطش يشتد والظمأ إلى قطرة ماء يرهق جسدي النحيل ولا توجد للبلدية حنفية في الجوار.
العطش سيّد الموقف والوالد يحتسي كوب الشاي بلذة غامرة وشغف شديد فيما الألم يعتصرني !
فجأة شعر الوالد بحاجتي إلى الماء دون أن أطلبه جذبني من يدي واتجه بي إلى حيث يجلس رجل مسن في ركن المدخل وأمامه جرّتان على كل واحده قطعة خشب تغطى فتحتها العلوية يتدلى من أذن كل جرّة خيط سميك مربوط بكوب من الألمنيوم .
تقدم الوالد حيث الرجل وأنا متعلق بردائه وطلب الإذن بشربة ماء بعد أن حيّاه بكل أدب وإحترام , أومأ الرجل بالموافقة وما أن سحب الوالد الكأس ورفع قطعة الخشب عن الجرّة التي على يمينه يريد أن يغطس الكوب في جوفها ليغرف بعض الماء فإذ بالرجل المسن يمنعه وهو يشير بيده إلى الجرّة الثانية مما يفهم منه أن الجرّة الأول لا ماء فيها أو أنها ليست باردة على النحو المطلوب .
شربنا من الجرّة التي أشار علينا بها وعندما هممنا بالمغادرة شاكرين جاء غيرنا يطلب الماء مثلنا متّبِعاً نفس الخطوات التي سلكناها فإذا بالرجل صاحب الجرّتان يأمره أن يشرب من الماجاء أحدهم طالباً للماء وجهه إلى الجرّة التي لم يقع عليها اختياره !!
ماذا تسمي هذا ؟
رغبة في التحكم ؟ أم هو العناد ؟
أم هما معاً اللذان دفعا بهذا الرجل إلى تحمل عبء جلب الماء والتصدق به أو بالأحرى توزيعه على النحو الذي يشتهيه وكيفما يحلو له إرضاءً لنزعة في داخله ليس إلا وكأني بها عادة متأصلة في جينات الليبيين .
.