كلمة
فتحية الجديدي
نظرت بعينيها الصغيرتين الحادتين وهي ترسل إشارات من التودد والبحث عن الدفء، لازمت مكانها ولم تبرحه حاملة معها قصص أبويها المجهولة بالرغم من وضوح وهوية نسبها ، علت الابتسامة محياها النحيل وكشفت عن حرمانها لعاطفة تجهل معناها ولا تعي عمقها ، تلك التي تأتي من رحم وحضن وطبطبة ، وأخالها تفتقد للكثير منها، ونحن نعرف بأن دفق الحنان لا ينضب عند أمهاتنا ، لم تتجاوز أربع سنوات وتكاد تنطق بعبارات سليمة بلكنة لم تغادرها طفولتها البريئة .
طفلة بعمر زهرة لا تزال تشاكس الطبيعة لتتفتق صوب مصيرها ولعل أكبر ضمان لها هو المكان الذي احتواها بعد فقدان الأبوين ، بالبيت الذي يعد بديلاً عن بيتها المفقود وبدل الأسرة باتت لها أفراد جدد وكثر في نفس الوقت يسعون لراحتها وللاهتمام بها وبمثلها من الأطفال الآخرين من هذه الشريحة ، لم أود تسميتها بدار حماية الطفل عندما قمت بزيارتها لغرض التواصل مع إحدى الاختصاصيات بها والتنسيق بيننا وفتح قناة عمل مشتركة، لتكون صحيفتنا حاضرة معهم ويكونون على إحاطة بذلك ، كان المكان أكبر مني والأطفال أجمل مما تخيلت عندما أحسست بأنني صغيرة في عالم يشوهه القبح في مواطن عدة، وبأنه النقيض للنقاد والجمال برغم من ابتعاد فصائل الدم وتطابق الأنسجة ، ولأنني شاهدت ما كان أقوى من هذه الروابط المتجسدة في الحنان والاحتواء عندما تحدثت إحداهن بصوت خافت تقول “ نهّودة ..حبيبتي شن تبي نجيبلك ممة؟ فسكتت ناهد مع هزة رأسها في انتظار طلبها ، اكتملت الصورة في ذهني متسائلة هل شرعنة الآباء تأتي من النسب فقط أم هناك أبجديات وصيغ وروابط إضافية يمكن أن تشكل العاطفة ؟ ولا أقصد ذلك من منظورها الديني أو الإطار الشرعي والتشريعي للبنوة ، بل العلاقة في مضمونها الاجتماعي والنفسي أيضاً، والحاجة الملحة لهذه القيمة في حياتنا جميعاً، ولعل الطفل أحوج ما يكون لذلك دون النظر للجهة المانحة أو البديلة ، وإحساس الطرف الآخر برغبة لمنحها ، والمقدرة على إعطاء هذا الاستحقاق الطبيعي والإنساني ، وما يجعلنا متأكدين بأننا نستطيع أن نحل محل الأم البيولوجية هي الحالة التي تنتابنا كلما شاهدنا طفلا ًحرم دون ذنب من أهم حقه في الحياة وعاش خارج حضن أمه واحتضان أبيه.