منصة الصباح

واقعٌ وخيالٌ وسؤال

زايد…ناقص

جمعة بوكليب

كثيرٌ من الناس، وأنا منهم، حريصون على أن يبدأوا نهارهم بسماع الأخبار، لمعرفة آخر تطورات الدنيا التي يعيشون فيها. وهي عادة اكتسبوها بمرور الوقت، مثل غيرها من العادات. بعضهم يراها عادة حسنة، وبعضهم الآخر يراها ضرورية حتى لا نقول سيئة. أقصد أنها لا تختلف عن  سيف بحدّين. حدّه الأول: أن المرء منّا  يكون على بينّة من أحداث العالم، وعلى معرفة بما يدور في أرجائه من كوارث ومصائب وأفراح، ويتفاعل معها. حدّه الثاني: أن معظم الأخبار، في العادة، لا تكون سارّة، وليس مبعث تفاؤل، وتلوث صحو سماء المزاج من الصبح، وفي بعض الأحيان تكون مرعبة. لكن التعوّد يجعل المرءَ منّا على استعداد، منذ بداية النهار، لبلع أي سكاكين إخبارية، مهما كان حجم نصالها.

ذلك الصباحُ، عقب استيقاظي من النوم، وقبل مغادرتي الفراش، ضغطت زر تشغيل المذياع كالعادة. ووصل سمعي صوت مذيع إذاعة ( بي بي سي العالمية) ناقلاً أخبار ما حدث من تطورات في العالم، خلال الساعات المنقضية. بدأ بما استجد من تطورات  في حرب أوكرانيا، مروراً على آخر مذبحة أُرتكبتْ ضد أطفال مدرسة ابتدائية في ولاية تكساس بأمريكا، وختمها بخبر صدور حكم قضائي، بالسجن لعدة سنوات، ضد كاتبة روائية أمريكية، أدينت بقتل زوجها، بعد مرور عدة سنوات على الجريمة. وأن يقتل زوج زوجه أو العكس، ليس أمراً مثيراً للاستغراب والتعجّب، كونها أمور صارت في حكم الاعتيادية. لكنّ الغريب في حكاية الكاتبة تلك، هو أنها اشتهرت بنشر رواية رومانسية، في الأعوام الماضية، بعنوان مثير:” كيف تقتلين زوجك؟”

الكاتبة اسمها نانسي بروفي- Nancy Brophy وتبلغ من العمر 71 عاماً. وأستناداً إلى صحيفة الاتهام، فإن الغرض من القتل كان بهدف الاستحواذ على مبلغ مالي من شركة التأمين، حيث تبيّن أنها كانت تعاني من ضائقة مالية. وقامت فعلياً بسحب الأموال.

لا مجال هنا، ولا نيّة، أيضاً، للخوض في تفاصيل جريمة، وُصفتْ بأنها غير عادية، من حيث التخطيط والتنفيذ، وبدقة يحسدها عليها أكبر محترفي القتل. لكنّ الرواية، التي كتبتها السيدة نانسي بروفي، هي ما أثار اهتمامي. والسبب، هو أنني، في السنوات الماضية، بدأت التفكير في كتابة رواية على نفس النسق، وباختلاف بسيط جدا في العنوان. إذ بدلاً من ” كيف تقتلين زوجك؟” كان العنوان الذي اخترته:” كيف تقتل زوجتك في خمسة أيام بدون معلم؟” وفي الحقيقة، أنا لم أكتب تلك الرواية. وأحمدُ الله على ذلك. وأذكر أنني ناقشت فكرتها، مع بعض الأصدقاء من الكُتّاب، فكانت مصدر تهكم من أغلبهم. ونُصحت بالبحث عن موضوع روائي آخر أفضل. وهذا ما فعلته. بعد سماعي الخبر، تأكد لي أن الخط الفاصل بين ما يدور في الواقع والخيال يكاد، في بعض الأحيان، لا يبدو للعيان. فالخيال الابداعي  الانساني يستقي مادته من الواقع. والواقع، في ذات الوقت، قد يكون، أحياناً، أكثر غرابة من الخيال. وعلى نفس النسق، من الممكن القول، إنه لا حاجة لنا للتفريق بين قصة واقعية حدثت في الواقع الحياتي، وأخرى متخيّلة، ولدت ونمت في خيال كاتب، على اعتبار أن الخيال الإبداعي محكوم بالواقع المعاش، ولا يخرج عن حدوده المرئية والمعروفة. ذلك أن الانسان، منذ قديم الزمان، حين أراد تخيّل آلهة، تخيّلها على شكل بشري أو حيواني، ولم يكن قادراً على تخيّل ما لا يراه إلا بما يعرفه.

ما علاقة كل ذلك بكاتبة  نشرت رواية عن قتل امرأة لزوجها، وقامت، بعد سنوات، بتنفيذها؟

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …