منصة الصباح

ناي من ريح قصص قصيرة محمد ياسين صبيح

 

بقلم /محمد الهادي الجزيري
الحمد لله ..على ما قدّر وما شاء ..، اليوم أعود إلى الكتابة في أثير..شاكرا للمشرفين عليها ثقتهم فيّ ..بعد أن شفيت تماما من مرضي ..، هم أهل الصدق والوفاء والمروءة والنبل ..وأرجو أن أكون عند حسن ظنّهم ..راجيا من الله أن ينعم على عمان بالأمن والسلام والرقيّ والسكينة ..، اليوم أفتتح مقالاتي بالكتابة عن الصديق السوري محمد ياسين صبيح وعن مجموعته القصصية : ” ناي من ريح “…
شدّني في القصة الثانية المدرجة في المجموعة تحت عنوان ” تشكيل ” ليس شخصية البطل ولا ما جرى له ..، شدّني وأنا كأيّ قارئ مزاجي ..الخوف الشعريّ من العالم ..، فكلّ ما يقوله القاصّ أو الشاعر أو مهما كان ..ينمّ عن وعيه بالوجود ..، وأنا أقاسمه هذا الذعر الذي ورد على لسان الراوي :
” .. لدرجة أنّه علّق أرنبا من أذنه على شجرة التين يوما كاملا، حتّى أكله ابن آوى ليلا، ومن يومها خاف أن يمشي وحيدا في الليل، ربّما تعرّض له ابن آوى أكبر وأعنف..”

قصّة ” الحبّ وراء الجدار ” عدم الجرأة.. والتأخير في البوح يؤدي بنا إلى الوحدة …، حكاية الطفل والتلميذ ثمّ الطالب وكيف منعته التأتأة ثمّ التلكؤ والصبر الزائد عن حدّه ..من نيل رغباته وطموحاته ..، في آخر القصة حين يتفطّن إلى تأخره عن البوح بحبّه يلجأ إلى معانقته وحدته :
” ـ ألا تعلم ؟، إن رآك خطيبي تجلس معي سيقتلك.
وقفت مذهولا، جلست ثمّ وقفت، هرولت مسرعا إلى هناك حيث جدار صالح الأشتر، لكن وحيدا دون سلمى أو رجاء أو سميّة ..”

في ” اللوحة الأخيرة ” يوغل بنا محمد ياسين صبيح في عالم الخلق والإبداع ..، ويطرح أسئلة (على لسان رسام ) مفخّخة ومربكة، مثل ما الرسم ؟ لم نرسم؟ وما غايتنا من ذلك؟، ويترك كلّ الأسئلة مفتوحة ودون أجوبة ..، فالقاصّ/الرسام يبقى في حيرة أمام شخصيتين من إبداعه ..الرجل الذي تبدو عليه آثار النعمة ..والشبح المنزوي في ركن مظلم في اللوحة أعتقد جازما أنّ القاصّ مقسّم بينهما لننصت إليه إذ يقول:
” لم يجب بل أمسك بالفرشاة وعلبة الألوان وقذفها بعيدا من النافذة، وأغلق باب الغرفة جيّدا، وقال للرجل المقرفص في الزاوية..
ـ لقد كانت اللوحة الأخيرة لي ..
وراح يضحك ويضحك، ويشاركه الضحك زميله القديم المقرفص في الغرفة، من خلف الباب ظلّت الضحكات تتعالى، حتّى تلاشت في الفضاء الواسع، بدون ألوان البتّة…”

يباغتنا القاصّ بقصّة ” موت مؤجّل ” يتخيّل فيها أنّ جريدة ما ستنشر خبر موته ، ولذا عليه أن يقوم بدفنه في تابوت يحتوي كلّ ما فكّرت فيه نفسه وما حلمت به وما عاشته ..، أعتقد أنّ الفكرة خطيرة ومهمّة، تصوّر نفسك تودّع نفسك ..وتجمع لها أشياءها وأغراضها وهواجسها ..، مثلا نرى في القصة الراوي حريصا على القطّة التي ستجد نفسها من دون من يعطيها غذاءها ويسكب لها ماءها..، وحبيبته ..هل ستحزن عليه؟..ودائنوه سيطالبون الإخوة بديونه ..، كلّ هذا وضعه في تابوت وألقى به من أعلى الجبل :
” تتّجه السيارة نحو طرف الطريق المطلّ على الوادي، فيضغط الفرامل بقوّة، وينزلق التابوت ويسقط الوادي العميق وتتطاير منه أوراق الذكريات التي حفرت في جريدته التي ستصدر غدا، ديون الخضري، ضحكات محبوبته وكلّ سطوره التي لم يكتبها بحبره النافذ أبدا..يترجّل من السيارة ويقف بجانبها، مراقبا تابوته أسفل الوادي، تخرج منه كلمات وصور لحياته السابقة، وقد أصبح قطعا صغيرة..ضحك ضحكة عالية وقال:
ـ هناك أنا أرتاح الآن..واستقلّ سيارته عائدا إلى بيته ..”

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …