حـديـث الثـلاثــاء
بقلم /مفتاح قناو
عندما أعلن القذافي الثورة الثقافية في خطاب زواره عام 1973 كنت تلميذا في الصف الثاني من المرحلة الإعدادية، محبا للقراءة ولمطالعة القصص والروايات، شغوفا باقتناء الكتب على مختلف أنواعها.
وتنفيذا لما جاء في ذلك الخطاب تمت مصادرة ألاف العناوين من الكتب والمطبوعات، وقامت الجهات الحكومية بنقل أطنان من الكتب المصادرة من المكتبات إلى (مصنع ورق اللف) المعروف منذ الستينيات بالتسمية الشعبية (ماكينة الكاغط) الذي كان مقاما في باب بن غشير على طريق السكة، وتم تكديس أكوام الكتب المصادرة أمام المصنع وعلى الجسر المجاور، بغية فرمها وإعادة تصنيعها على شكل ورق خشن رمادي اللون كان يستخدمه القصابون في لف قطع اللحم عند بيعها للمستهلك في محلات الجزارة، لذلك سُمي (مصنع ورق اللف).
كنا نقيم بمنطقة رأس حسن القريبة من المصنع، واكتشفنا ــ مع بعض شباب المنطقة ــ وجود أكوام الكتب المصادرة التي يتم فرم أعداد كبيرة منها كل يوم، فاتفقنا وقررنا أن نخطف منها ما نستطيع، فهي ستفرم على كل حال.
كنا ننتظر دخول (العساس وهو شخص تونسي الجنسية) إلى داخل المصنع لنقوم بغارات على أكوام الكتب المصادرة، نتناول منها ما نقدر على حمله، محاولين اختيار العناوين التي تروق لنا قبل خروج العساس وجريه خلفنا، لنقف بعيدا عنه ونعيد الكرة عند دخوله المصنع مرة أخرى، كانت وليمة كبيرة من الكتب الهامة جدا والمجانية، وكنا لحداثة سننا لا ندرك أهمية بعض العناوين التي عثرنا عليها.
تذكرت كل هذا منذ أسابيع عندما أهداني الناشر الصديق الأستاذ غسان الفرجاني نسخة من كتاب (السنوسيون في برقة) للكاتب ايفانز بريتشارد وترجمة عمر الديراوي ابوحجلة والصادر عن دار الفرجاني في طبعته الثانية 2022م.
أخبرته بأنني امتلك نسخة من الطبعة الأولى مند مصادرتها من مكتبة الفرجاني عام 1973م، وشرحت له طريقة الحصول عليها قبل أن تفرم بساعات قليلة وتتحول إلى (كاغط) يباع بالميزان للجزارين.
(السنوسيون في برقة) كتاب هام يؤرخ للحركة السنوسية، كتبه المؤلف في أربعينيات القرن العشرين بعد أن طاف بالبلاد، وشاهد الزوايا السنوسية عن قرب، وفهم طرق تكوينها، والنظام الإداري الذي يربطها، وعرج في كتابه على مشاركة السنوسيين في الحربين العالميتين الأولى والثانية والمعاهدات والاتفاقيات التي عقدوها.