منصة الصباح

    عزلة صاخبة جدا

حـديـث الثـلاثــاء

مفتاح قناو

تتميز الرواية التشيكية عن غيرها من الروايات بجودة كتابها والعوالم التي يطرقونها وما يطرح فيها من قضايا فكرية وإنسانية، عزلة صاخبة جدا هي رواية جميلة للكاتب والروائي التشيكي بوهوميل هرابال كتبها عام 1976 لكنه لم يستطع نشر هذه الرواية إلا بعد سقوط جدار برلين وانتهاء الحقبة الشيوعية عام 1989م، صنفت هذه الرواية على أنها من أفضل عشرين رواية في العالم، يحكي الراوي في الرواية بضمير المتكلم عن خمسة وثلاثون عاما كاملة قضاها في عزلة كاملة في مفرمة للورق يتعامل مع الورق والكتب القديمة، حيث يقول فيها (خمسة وثلاثون عاما كاملة هم يطبعون المستندات والكتب و انا أعيش معها في حالة عشق سرية، استمتع بهضم الحروف، حتى ابدوا مثل القواميس التعليمية التي قمت بضغطها بعمق ثلاثين مترا، أدمنت هذه الحركة فأصبحتُ دون إرادتي متعلما، وأضحت الأفكار الجميلة تتدفق على لساني، حتى بتُ لا افرق بين أفكاري التي تخصني وبين ما اقرأ من أفكار).

(خمسة وثلاثون عاما ــ و انا منفصل عن العالم من حولي ــ امتص الأفكار كامتصاص الحلوى، ارتوي بكؤوس من نبيد معتق، حتى ذابت أفكار الكتب وانتشرت ليس فقط إلى دماغي وقلبي ولكنها تشعبت من خلال العروق والأوعية لتصل إلى أطراف جسدي، طوال الأعوام الخمس والثلاثين كنت أعيش مع نفسي ولا يعنيني العالم من حولي، لأنني عندما أقرأ، لا أقرأ في الواقع، بل أمتص الجملة مثل الحلوى اللذيذة، وكأنني أشرب كأسًا من المسكرات حتى تذوب الفكرة من خلالي مثلما يمتص جسدي الكحول، ولا يصل فقط إلى دماغي وقلبي، ولكنه يتدحرج عبر عروقي إلى جذور الأوعية الدموية، كنت في شهر واحد أقوم بضغط ما متوسطه عشرين مترا من الكتب).

عزلة صاخبة جدا هي حصيلة سنوات من العمل وحيدا في إتلاف الكتب وفرم الورق عاشها بطل الرواية في صخب داخلي، يتعلم من هذه الكتب المصادرة دون أن يعلم به أحد، كان يهيم في عوالم مختلفة كل كتاب يقوده إلى عالم جديد، يجد معه متعة أخرى،  بعد غزو براغ من طرف حلف وارسو في أغسطس 1968 ، تم حظر هرابال من النشر، لكن أعماله زادت في الانتشار وكان أهمها، قطارات تحت الحراسة،  و البربري اللطيف، وعزلة صاخبة جدا المتميزة التي وضعت هرابال في مقدمة كتاب الرواية التشيك.

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …