منصة الصباح

الخالد..

إطلالة

جمال الزائدي

الإذعان الوثوقي لما تفضَّل به الفلاسفة من “هيراقليطس” إلى “الهمالي بن جمعة جاركم الأصم بإرادته المحضة حول مبادئ الاستدلال للعثور على القوانين العامة في العلاقة بين العقل والمادة والإله، تلك التي يستمد منها القدر منطقه العجيب في رسم خططه..كفيل بحفظ توازنك أمام الضربات اليومية الموجعة، وزرع الطمأنينة في أركان قلبك المهتريء .. مازال العالم من حولك يمور بالصراعات والمؤامرات والخيانات والقتل والسحل والدم والاغتصاب والاختطاف والسرقة والمساومة، بينما ملامح وجهك تسبح في هدوء روحاني يحسدك عليه القديسون والشيوخ المرابطون في القرى والبلدات النائية من بلادك الحرة، كل ذلك لأنك بفضل موهبة خارقة خصتك بها السماء، قادر على إقامة جدار زجاجي سميك بينك وبين الخارج يعزل عنك نشاز الأقوال والأفعال، ويستدرجك إلى شاطئ بعيد مهجور؛ حيث تتفرغ لصناعة صورك الرومانسية الساحرة لواقع موازٍ، ترعی فيه الأحلام والذئاب والخراف معاً.. دعهم يستشيطون غيظاُ ويفغرون أفواههم ذهولاً، وهم يسمعونك تردد لأزمتك الأثيرة “الخير جاي” مشفوعة بابتسامة عريضة تداري بها وجع المفاصل الذي ألمَّ بك جراء المداومة (السيزيفية) على الوقوف اليومي في طابور المصرف والمخبز ومصلحة الجوازات.. سيظنون بك الظنون، ويتهمونك مرَّة بموالاة الطابور الخامس، ومرة بالعتَهِ والسذاجة، وفي أحسن الأحوال سيقولون إنك مصابٌ بحالة مرضية غريبة أعراضها التفاؤل والأمل.. وستضحك في سرّك من هذه التهم الغبية التي يمطرونك بها.. فلا أنست عميلٌ للطابور الخامس – إذ تكفيك الطوابير المعتادة التي أدمنتها وأدمنتك – ولا أنت معتوهٌ ، ولا أنت مسكونٌ بأملٍ مخادع.. دعهم في غيّهم يعمهون، ولا تفسر لهم ما لا يمكن تفسيره.. ثم من أين لك بالقدرة المعرفية الوافرة لتشرح باللغة العاجزة معجزتك الخارقة التي حصَّنتك من الفناء والتلاشي عبر العصور المريرة؛ وهي تطحن في مرورها الكارثي على هذه الأرض عظماءً وملوكاً وإمبراطوريات وحضارات و حتى ثورات فتُحيلها إلى مجرد غبار في كتب التاريخ لتبقى أنت وحدك الخالد خلود الحياة والمعاناة والألم..

شاهد أيضاً

زيادة الوزن وطريق الموت

مع شاهي العصر: توجد دولة في جنوب أمريكا اسمها بوليڤيا بها شارع يعد أخطر شارع …