زايد…ناقص
جمعة بوكليب
قبل أن أقرأ، في الأسبوع الماضي، كتاب ” شواطئٌ غريبة -Stranger Shores ” للروائي الجنوب افريقي “جي ام كوتيزيه- JM Coetzee” كنتُ خطأ أظنّ أن الشاعر “راينر ماريا ريلكه” فرنسي الجنسية. لأن كل ما قرأت له من قصائد في الماضي، وهي في الحقيقة قليلة، كانت مترجمة عن اللغة الفرنسية. لكن “ريلكه”، كما أوضح “كوتيزيه”، شاعر ألماني، ولد عام 1875 في مدينة براغ، وكانت ثالث أكبر مدن الإمبراطورية النمساوية المجرية، وعاش في باريس وسويسرا وروسيا. كان موهوباً في اتقان اللغات الأجنبية، ويحسن الحديث بعدة لغات، ومن بينها الفرنسية التي أجادها أكثر من غيرها، وكتب بها العديد من قصائده في آخر حياته، مما تسبب في نقمة الألمان ضده، واعتبروه مرتداً ثقافياً.
“ريلكه” وشعره ومشاكل هوّيته لا وقت للخوض فيها في هذه السطور. الهدف غرضان آخران. أولهما أن “شواطئٌ غريبة” ليس رواية. بل كتاب يضم مقالات كتبها، ومحاضرات ألقاها المؤلف، في فترة زمنية طويلة نسبياً -1986-1999 ، وتتناول قضايا فكرية وأدبية مختلفة. وثانيهما أنني عثرت على الكتاب في محل جمعية خيرية، ودفعت مقابله ثمناً زهيداً لا يتناسب، في رأيي، وقيمة محتواه. وساتعرض هنا للأمرين.
ما يميز كتبُ المقالات – Essays أنها تحتوي نخبة من قضايا ومواضيع مختلفة، وإن كانت تجمعها وحدة موضوعية، كونها تتناول مسائل في الأدب أو الثقافة أو غيرها. وتزداد أهميتها حين تكون تلك المقالات نتاج قراءة جادة قام بها كاتب متميز، مثل “كوتيزيه”، واحتوت آراءه في العديد من نتاجات كتاب آخرين. وعلى قدر من العمق والنفاذ، مما يضفي عليها أهمية. ما يميز هذه النوعية من الكتب، في نظري، بالاضافة إلى قيمتها، هو أن القارئ ليس ملزماً بقراءة المقالات بانتظام، واحدة تلو أخرى. بل أنها تتيح له حرية اختيارما يقرأ أولاً، أو أخيراً، وقتما يشاء. وعلى سبيل المثال، من الممكن أن يبدأ قراءة الكتاب من منتصفه، أو بقراءة آخر مقالاته أولاً. ومن الممكن أيضا قراءته على فترات متقطعة زمنياً.
الناحية الأخرى المهمة، في رأيي، هي الفرص التي تتيحها محلات بيع الكتب المستعملة أمام القراء ممن لا تسمح ظروفهم المالية باقتناء كتب جديدة، وبأسعار غالية نسبياً، من المكتبات. أضف إلى ذلك، أن تلك المحلات توفر إمكانيات حتى للقراء الذين بإمكانهم اقتناء كتب جديدة، عبر إتاحة الفرص أمامهم للعثور على كتب ذات قيمة أدبية، أو علمية قد مر على صدورها سنوات طويلة، وليس من السهولة بمكان العثور عليها.
في القاهرة تتوفر محلات الكتب القديمة بشكل هائل، لكنها في ليبيا غير متوفرة، وإن كانت في الماضي، متوفرة وعلى شكل محدود، في الأسواق الشعبية. وأذكر أنني في سنوات الصبا كثيرا ما كنت أتوقف أمام محل صغير في سوق الباب الجديد، يعرض كتبا قديمة مختلفة للبيع بأثمان زهيدة. كما كان البعض يعرض كتبا قديمة للبيع على بسطات أرضية في شارع الرشيد. لكن تلك المحلات اختفت من الوجود واختفى أصحابها. كما كنت أزور سوق العتق في باب الجديد من حين لآخر، وكنت أعثر على بعض الأشخاص يعرضون كتبا مستعملة للبيع. الأسباب عديدة تقف وراء اختفاء تلك المحلات. ومن الممكن جداً إحياء الظاهرة بإنشاء جمعية تعتني بتجميع الكتب المستخدمة وتصنيفها وعرضها للبيع بأثمان مناسبة، كما حدث في السنوات الماضية، حين تمكن بعض المشتغلين بالثقافة من تنظيم معرض لبيع الكتب المستعملة في ميدان الشهداء، وقام بعض المثقفين والكتاب بالتبرع بمكتباتهم الشخصية.