محمد الهادي الجزيري
كتاب اليوم بعنوان ” قصة العادات والتقاليد وأصل الأشياء ” يطرح موضوع العادات والتقاليد عبر العصور إضافة إلى إمتاعه للقارئ واطلاعه على حيز مهم من مسيرة الإنسان من الكهف إلى النور.. فهو يصل بالأمور إلى جذورها ويربطها بها ويكشف عن الطموح اللامحدود لدى الكائن منذ بداياته الأولى ..، ثمّ يفسّر كلّ أمر بعيدا عن القوى الميتافيزيقية ويعود به إلى أصله وسبب وجوده أو ظروف اكتشافه ..دون سقوط في الغيبيات ..فهو كتاب علميّ يردّ كلّ شيء إلى جذوره ..، كتاب قيّم شدّني لبعض الوقت وبعد أن قرأت نصيبا منه انتقيت لكم يا معشر القراء مقاطع أو فقرات طريفة تبيّن كيف كان الإنسان يفسّر كلّ شيء حسب المعرفة المتوفرة ..وإن كانت منعدمة إذ أنّ الاكتشافات هي من وسّعت مدارك الإنسان وجعلت منه هذا الكائن الرهيب / البديع ..كما نعرفه اليوم …
لنبدأ بحادثة شدّتني ..الإنسان يفعل في سرّية تامّة عديد الأشياء ..ويفسّر كلّ شيء حسب وجهة نظره ..، فكلّ من يختفي عن الأنظار ..أكيد هو يتواصل بالعالم الآخر ويتمتّع بسرّ كبير وأخاذ له علاقة بالسماء أو بمن يمثلها :
” مثلا أنّ الحيوان ( الأرنب كنموذج ) يمضي وقته تحت الأرض للتوصل مع روح من العالم الآخر، ممّا جرّهم للاعتقاد بحيازة هذا الحيوان على معلومات سريّة حُرم منها البشر..”
كان وما يزال خجل الأمّ من أطفالها وحرجها الكبير منهم ..حين تلد مولودا جديدا ..وقد تحايلت عديد المرّات عليهم.. من ضمنها هذه القصة الطريفة التي تحكي عن اسكندنافية وكيف كانت الأمّهات تلجأ إلى كذب أبيض ..متفائلات بطائر اللقلق الذي يعيش سبعين عاما ويبني عشّه فوق مداخن المنازل ..وحين يكبر الطائر يجد العناية من قِبل الطيور اليافعة من اهتمام ورعاية :
” اعتادت الأمّ الاسكندنافية ، تفسير ولادة طفل جديد، بإخبار صغارها أنّ طائر اللقلق أتى به وأنّه عضّ قدمها قبل رحيله ممّا ألزمها الاستراحة في الفراش لبضعة أيام ..”
وصلنا إلى كعكة الزفاف إذ تقول الأسطورة والأخبار المتناقلة أنّ خبازي الرومان بدؤوا حوالي عام 100 ق م بإعداد القمح على شكل كعكات صغيرة حلوة المذاق ليتمّ تناولها بدل من قذفها كما جرت العادة ..لكن كراهية مدعوي القران لترك عادة رشّ القمح على العروسين ..أخذوا يرشّونها بالكعك …( رجم هذا ….أم فرح وعرس ):
” لم تكن كعكة الزفاف تؤكل من قِبل العروسين على الدوام، بل كانت في الأصل تُقذف على العروس..واعتبر القمح لفترة طويلة من الزمن رمزا للخصب والرخاء، فكان واحدا من أوّل أنواع الحبوب التّي تُرش على العروسين ، وكانت الفتيات الصغيرات العازبات يتزاحمن للوقوف تحت زخّات القمح وهنّ يحلمن بأنّ وقوفهنّ هذا سيجلب عريسا لكلّ منهنّ”
ثمّة ذكور ينظرون إلى المرأة بشكل مزدرٍ ..وكان عليهم أن يعيشوا هذه الحقبة :
” كان العقد مختصرا وغير مزّين ويشبه صيغته فاتورة البيع : ستّ بقرات مقابل فتاة في الرابعة عشرة من عمرها تتمتّع بصحّة جيدة..”
وتوجد عادات ..ندعو إلى مراجعتها والتدقيق فيها لكي يقال عن الأرامل مثلا كلاما خاطئا:
” في بلدان حوض البحر الأبيض المتوسط كانت الأرملة ترتدي حجابا وملابس سوداء طيلة عام كامل لتختفي عن أنظار الروح المتجولة لزوجها الميّت، ليس في أصل ارتداء اللون الأسود أثناء الحداد ما يشير إلى احترام الميّت ”
ثمّة حقائق غريبة ومثبتة في التاريخ الإنساني ..مثل أكل الشمع من قبل العديد من الجماعات ..إذ كانت الشمعة تُصنع من الشحم العديم اللون والطعم المستخرج من الحيوان أو الزيت النباتي ممّا جعل الشمعة صالحة للأكل ..وهذا ما تمّ بالضبط عديد المرّات لكثيرين من فئات المجتمعات الأولى ……
” وهناك دلائل كثيرة تؤكد كيف أنّ جنود الرومان كانوا عند جوعهم، يقتاتون بمخصصاتهم من الشموع، وبعد قرون اعتاد موظفو المنارات في بريطانيا، الذين ينعزلون في مناراتهم شهورا متتالية، تناول الشمع..”