حـديـث الثـلاثـاء
مفتاح قناو
إن كنت تعرف فأنت مسؤول، لأن المعرفة مسؤولية، ويتم تحديد المسؤولية أيضا بالقدرة علي الفعل، هذا إن كنت قادرا علي الفعل، وفي موقع قيادي يسمح لك بالحركة، وتقتصر المسؤولية علي القول وتقديم النصح للمسؤولين إن لم تكن في موقع يسمح لك بالفعل وهذه هي مسؤولية المثقفين في المجتمع.
من أساسيات المعرفة دراسة الماضي، حيث يمكن فهم الماضي وتأثيره من خلال دراسة التاريخ السياسي، والنظام الاقتصادي، والتحولات الاجتماعية في أية دولة نقصدها، كذلك يمكن التعمق في دراسة أسباب كل ظاهرة لاستخلاص العبر، ومعرفة النتائج المترتبة علي وجود كل ظاهرة لأن التاريخ كثيرا ما يعيد نفسه .
أما دراسة الحاضر فتكمن في معرفة كل مؤشرات حركة المجتمع الحالية ويدخل في ذلك جميع الجوانب السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية وغيرها إضافة إلي رصد الإحصائيات المتعلقة بها.
الجانب الأخطر في موضوع المعرفة هو استشراف المستقبل ومحاولة معرفته ونحن هنا لا نتكلم عن التنجيم وأقوال المنجمين ولكن ما نقصده هو معرفة المستقبل من خلال امتلاك المعرفة العلمية .
فنحن في منطقتنا لا نعرف بوضوح ما يخططه لنا الآخر لأننا ببساطة لا نمتلك المعرفة، أما الآخر فيرى المستقبل بوضوح أكثر لأنه يمتلك المعرفة ويستطيع خداعنا وأن ويزين لنا طريقا معينا نسلكه ونحن نعتقد لقصورنا المعرفي.
في الماضي القريب ” خمسينيات وستينيات القرن العشرين” كانت دول الاستعمار القديم تأتي إلي دول العالم الثالث حديثة الاستقلال قليلة المعرفة وتنفق أموالا كثيرة لإقامة محطات لتوليد الكهرباء وتوزيعها علي المواطنين في عواصم هذه الدول والمدن الكبرى، وتقام المشاريع تحت ستار المساعدات الاقتصادية التي تبدو أحيانا مجانية.
إلا أن دوافع أخرى تغيب عنا ــ لقلة معرفتنا ــ كانت هي الدافع حيث أن مصانع تلك الدول تنتج عددا كبيرا من المعدات والمواد والأجهزة التي لا يمكن تشغيلها إلا بواسطة الكهرباء وأننا لا نستطيع شراء هذه المعدات إلا عندما تتوفر في بيوتنا مصادر للكهرباء
هذه الصورة البسيطة في التعامل تعطينا المثال الواضح لقدرة الآخر علي الفعل لامتلاكه المعرفة واستطاعته استشراف المستقبل بشكل علمي دقيق نفتقده.
وهو ما يتكرر حاليا فنحن لا نعرف ما يدبر لنا لعدم امتلاكنا القدرة العلمية على استشراف المستقبل، فما أحوجنا إلى إقامة مراكز للدراسات العلمية المستقبلية لحساب التوقعات ومعرفة ما يخططه الآخر.