زايد…ناقص
جمعة بوكليب
حين تتوتر العلاقات الشخصية بين أشخاص، ولم يعدّ في الإمكان ترميمها، يلجأ العديدون منّا، إلى تهميشها، تفادياً للمزيد من التوتر، أو إلى بترها كلية. ومن جانب آخر، حين تتوتر علاقة شخص ما بالتقنية الحديثة، ويجد صعوبة في التعامل معها، لا يلجأ إلى تهميشها أو بترها. والسبب، لأن العلاقة بالتقنية وأجهزتها الذكية المتعددة لم تعدّ ثانوية، بل أساسية، و ضرورة حياتية يومية. وأن قطع العلاقة كلية معها، يعني، ضمن أشياء أخرى كثيرة، التخلي بطواعية عن مواكبة الحياة وتطورها. وجهة النظر الشخصية هذة، ربما تجد مناصرين لها من الفئة العُمرية التي أنتمي إليها، والذين فاتهم قطار التأقلم مع التقنية، وصاروا يشعرون أن سرعة وتعقد التقدم التقني المذهل، وتزايد عجزهم على مواكبته، أولاً بأول، يهمّش من دورهم في الحياة، بأن يجعلهم عالة على غيرهم.
علاقتي الشخصية بالتقنية، منذ دخول عصر الالكترون، تتسم بتعقيد ناجم على رغبتي في الانتماء إلى عالمها، وبناء جسور قوية للتواصل، وعجز ذاتي يشبه الاعاقة، يحرمني من تحقيق تلك الرغبة الدفينة. لكن، بمرور الوقت، وبشيء من الصبر والعزم، وبنيّة ألا أصير عالة على غيري، أجبرتُ نفسي على تحمّل المشاق. وأستطعت، بعد لأي، من مد خيوط تواصل لابأس بها. أهمها أنني قهرت خوفي، وتمكنت من تسلق درجات سلالم حلزونية ضيقة، حتى وصلت إلى مرحلة امتلاك جهاز هاتف خليوي، وتعلم التعامل مع تعقيداته، من دون توتر. والأهم من ذلك، أنني صرتُ، ياسبحان الله، قادراً على الاستفادة مما يقدمه لي من خدمات حياتية يومية جليلة، تمد لي أيادي المساعدة. وعلى سبيل المثال، استخدام أيقونة جوجول المسماة GPS ، أثناء مشاويري بالسيارة، وخاصة في مناطق وأماكن وعناوين ليس لي بها سابق معرفة أو خبرة، وبطريقة سهلة، وكأن على المقعد الجانبي، يجلس صديق لك، على علم بتفاصيل الوصول إلى الجهة المقصودة، وما عليك سوى التركيز على الطريق أمامك، والاستماع إلى توجيهاته: على بعد 50 متراً انعطف يميناً، أوعلى بعد 200 متراً انعطف يساراً، أو واصل السير، أو، ياسلام، من الأفضل لك الابتعاد عن الطريق رقم … لاشتداد زحام المرور، وأسلك أخرى! وإن كنت أيها القاريء مثلي، وتدرك ما أعنيه، فليس عليك أن كنت مكاني سوى الاستماع الى ما يُلقى إليك من نصائح وتوجيهات مجانية، لتضمن وصولك إلى مبتغاك في وقت معقول، وبمنأى عن الاصابة بصداع في الرأس وفي القلب، من زحام مروري بغيض. في غالب الأحيان، كثيراً ما استغرب سرعة استجابة الجهاز لما تصاب به حركة المرور في الشوارع من اختلالات واختناقات مرورية. ولم أجد تفسيراً لاستغرابي ذلك إلا مؤخراً، ومن خلال برنامج اذاعي صباحي. وتبيّن لي من خلاله، أن أيقونة محرك جوجول المرورية، تتعرف على الاختناقات في طرقات الشوارع، من خلال رصد أعداد ما يوجد بها من هواتف محمولة. فإذا كان العدد كبيراً، فهذا يعني ازدحاماً شديداً، والعكس صحيح. وسمعت أيضا في نفس البرنامج، أن شخصاً ما، في العاصمة الالمانية برلين، كان على علم بهذا السر التقني، ولذلك، اراد تسلية نفسه باعداد عملية خداع تقنية، بأن وضع في سيارته عدد 90 جهاز هاتف خليوي، وأستقل سيارته، وقادها في عدة شوارع، وملاحظاً في نفس الوقت أن أيقونة محرك جوجول المرورية، كانت كلما دخل بسيارته شارعاً، تصدر تحذيراً بضرورة تجنب الشارع لازدحامه بالسيارات. ونظراً لأن أغلبية سائقي السيارات يستخدمون نفس الايقونة، في ذلك الوقت، فإنهم يتجنبون المرور به، ويصير خالياً.