زايد…ناقص
جمعة بوكليب
السياسيون، استناداً إلى المعلق الصحفي الامريكي بول كروجمان، “ليسوا آلهة ولا قديسين. ولأنهم ليسوا آلهة فإنهم غالباً ما يتخذون قرارات سياسية سيئة. ولأنهم ليسوا قديسين فإنهم غالباً ما يحاولون التهرب من مسؤولية فشلهم، والقاء اللوم على الآخرين.” لا أعرف لماذا يحاول معلق مثل السيد كروجمان تذكيرنا بحقائق تعودنا على التعايش معها، حتى صرنا لا نكترث لها.
ما تجاهله السيد كروجمان، هو أن السياسيين، على أختلافهم، وإن كانوا بشراً مثلنا، إلا أن لهم جلود تماسيح ووجوهاً بأقنعة ملائمة لكل المناسبات. ولسنا في حاجة إلى تأكيد مؤكد، لكن ذاكرات الناس، ولأسباب تظل غير مفهومة، مجبولة على النسيان.
وسياسيو دول العالم الأول في هذا الشأن، لا يختلفون في ذلك عن نظرائهم من سياسي العالم الثاني أوالثالث. وعلى سبيل المثال، خلال أزمة العاصفة الثلجية الأخيرة في ولاية تكساس الأمريكية، والتي أدت إلى انقطاع الكهرباء ومياه الشرب والزمت الجميع بالبقاء في بيوت بدرجة حرارة تحت الصفر، قام أحد أعضاء مجلس الكونجرس المعروفين في أروقة الحزب الجمهوري بتجميع أفراد أسرته، وأنطلق بهم إلى المكسيك، وكأنه لا علاقة له بالولاية ولا بسكانها الذين أنتخبوه وبفضلهم أضحى ” سيناتور”. وما أحدثه فعله من ضجيج اعلامي انتهى سريعاً، وعادت الأمور إلى مجاريها. وأكاد أجزم أنه لو أن العاصفة الثلجية عادت مرة أخرى، لما تردد في تكرار ما فعله في الأولى!!
وما حدث ويحدث في العديد من بلدان العالم، خلال الأزمة الوبائية الحالية، وتحديداً عقب تمكن المختبرات العلمية في أوروبا وأمريكا من التوصل لانتاج لقاح مضاد للفيروس الوبائي، وبدء عمليات التطعيم في معظم الدول، دليل آخر يثبت أن السياسيين لا يتورعون عن فعل ما يتورع شيطان عن فعله.
مـــــــــــؤخراً، تحدثت تقارير اعلامية غربية عما أســــــــــــــــمته ” تخطي طابور التطعيم ـJab queue jumping” وأوضحت أن الرئيس الارجنتيني طرد، مؤخراً، وزير الصحة في حكومته لأن سيادة الوزير قام بتعبيد الطريق أمام أصدقاء له من المهمّين، ومن ذوي الصلات بالحكومة، وفتح أمامهم أبواباً خلفية مكنتهم من دون وجه حق أو منطق من تخطي طوابير العجائز والشيوخ الذين ينتظرون دورهم في اللقاح. وفي العاصمة البولندية وارسو، تكرر نفس السيناريو. 450 من السياسيين ومن الشخصيات البولندية المعروفة والمشهورة، تخطوا الطوابير، عيني عينك، وحُقنوا باللقاح المضاد للوباء. وفي البيرو، في شهر أكتوبر الماضي، قام الرئيس السابق سرّاً بتدبير أمر تحصين نفسه وزوجه وأخيه باللقاح. الأخبار، هذه الأيام، على ما يبدو، لا تنقصها الدراما. آخرها تتحدث عن فضيحة أخرى أُرتكبتْ في لبنان، وأبطالها سياسيون لبنانيون ابتداء من رئيس الجمهورية ، مروراً بأعضاء الحكومة ونواب البرلمان، ونزولاً إلى المسؤولين وعائلاتهم وأصدقائهم، وكلهم تمكنوا من تخطي طابور من المنتظرين للقاح بطول 750 آلف شخص ممن تجاوزت أعمارهم 75 عاماً.
والحكاية باختصار، كما نشرتها وسائل اعلام غربية، تقول إن الحكومة اللبنانية المفلسة تحصلت على تمويل مالي طاريء من البنك الدولي بقيمة 34 مليون دولار أمريكي لشراء شحنات من اللقاح، وبذلك تكون لبنان أول دولة في العالم تحظى بتمويل مالي من منظمة دولية لهذا الغرض. ولأن الأمور في تلك الدولة المنهوبة من قبل سياسيين طائفيين وفاسدين تسير على رأسها منذ نشاتها، كان 75 ألف من الشيوخ والعجائز يصطفون في طوابير، وكان الساسة وعائلاتهم يدخلون من أبواب خلفية، وعقب الانتهاء من التطعيم، يستقلون سياراتهم الفارهة عائدين إلى بيوتهم، في انتظار حلول موعد الحقنة الثانية والأخيرة!