علي عبدالله
إضافة إلى قصور تعبيرات الطبيعة والجبلة والغريزة عن استيعاب معنى ( الفطرة ) فإن القول في محاولتنا تعريف الفطرة من خلال تحديد مكوناتها ، أنها مجموعة من ( الدوافع ) الكامنة وراء سلوك يسلكه موجود ما من الموجودات إنما نضمن تعريفنا ذاك إيحاءاً بافتقار ذلك الموجود إلى ( حرية الاختيار ) سواء بتوفر بدائل لما يدفع إليه.، الأمر الذي يجعل اندفاعه قسرياً ومفروضاَ عليه من غيره ، وعند قصر نقاشنا على ( الفطرة الإنسانية ) فإن تسميتنا محركات السلوك الإنساني ( دوافعاَ ) لن تكون مجرد خطإٍ لغوي أو سوء استخدام للكلمات ، بل حرف للدلالات وتشويه لما نحاول أن نطرحه من أفكارنا ، وبذا فإن كلمة ( نزوع ) التي لا تنتفي معها امكانية الاختيار ، والتي بدورها تستدعي الحرية في ذلك الاختيار والمسؤولية عنه ، ومن وراء ذلك منظومة كاملة من القيم التي يتعذر بدونها على الإنسان ( فرداً وجماعة ) التمييز بين المعنى الفعلي والحقيقي لتعبير أو موقف ما وبين المعاني الزائفة التي لا بد لها ( في حال تمكنت من إزاحة المعنى الحقيقي وتغييبه ) من أن تنتهي إلى إفساد ذلك التعبير أو الموقف الذي يختص به الإنسان وحده وبه يتميز عن غيره ، إضافة إلى أنه في حقيقته ( كتعبير أو كموقف ) صيغة ( علائقية ) وحوار لا مَعٌدٌَى عنه للموجود النازع ( فطرياً ) إلى الإعلان عن وجوده وتأكيد حضوره ، ووفق هذا الفهم لا يكتفى زيف المعنى بإفساد علاقات الإنسان كلها ، بداية من علاقته بذاته و وانتهاء إلى علاقاته بكل مكونات عالمه من خلال وسم إعلان ذلك الإنسان عن وجوده وتأكيد لحضوره بطابعه ، بل يجاوز ذلك إلى إفساد وجود الإنسان وتشويه ذاته ، وذلك بعض من معاني فساد الفطرة ، الذي لن يتاح لنا أن نعرفه بكليته دون أن نواجه السؤال عن ( مكمن الزيف ) الذي يتهدد المعنى ولا يكتفى في حال تمكن منه بتشويهه بل هو يغتاله ، والأسوأ أن يئده في مهده قبل أن يتمكن ذلك المعنى من الإعلان عن وجوده وتأكيد ذاته من خلال التعبير والموقف الإنسانيين . أي من خلال علاقة الإنسان بذاته بعالمه . بتعبير آخر ( من أين يجيء الزيف الذي يرين على علاقاتنا من أدنى مستوياتهم إلى أقصاها ؟ .
والواقع أنه ليس من الزيف في شيء أن نجيب على السؤال بقول : – أن فساد الفطرة هو مصدر كل ما يرين على وجودنا وحياتنا من زيف ، كما ليس تملصاً ولا محاولة للهروب ، بل مدخل نحاول من خلاله أن نعرف ما تكونه في الفطرة فعلاً علنا نتمكن بذلك التمييز بين سواءها وفسادها .
والفطرة ، والمقصود بها هنا ( الفطرة الإنسانية ) ذلك أن الإنسان هو شاغل هذا النقاش ومحوره ، ثم لصلة الفطرة الإنسانية ( بالوعي ) الذي يميز الإنسان عن غيره من مكونات عالمه ، ولما يتيحه ذلك الوعي لكينونته ووجوده من أبعاد ليست متاحة لغيره . ومادام السؤال في وقت واحد عرّاب الوعي و وليده ، فمما يقتضيه إنشغالنا هنا أن نسأل ونعيد السؤال عما يكمن وراء الصيغ الأقنومية التي تطالعنا فيما لا حصر له من جوانب حقول الثقافة الإنسانية الفكرية والأدبية والفنية والعلمية ومنذ بداياتها الاسطورية مروراً بمختلف مظاهر تطورها الفلسفة والدينية والأدبية والأيديولوجية بما تخللها من تيارات وتشعبات مذهبية ، فحق لنا وحق علينا أيضاً أن نسأل كيف تنشأ الأقنوميات ؟ ومن أين يجيء التثليث ؟.