جمال الزايدي
مسارات العلم والتكنولوجيا ليست دليلا قاطعا على النضج العقلي والتقدم الحضاري للإنسانية..فبرغم غزو الفضاء والهواتف الذكية والسيارات الصديقة للبيئة ومواقع التواصل الاجتماعي التي جعلت من الكوكب قرية مترابطة، ما يزال الكائن الناطق يرتكب ذات الأخطاء ويكرر نفس الحماقات التي سجلت في تاريخه منذ أقدم العصور .. الانكأ من ذلك أن الجرائم والحروب صارت أكثر وحشية وفظاعة بفضل القدرات التدميرية للأسلحة المتطورة ..
حين كان البشر لا يملكون سوى أدوات بدائية للفتك كانت آثار همجيتهم محدودة النطاق لكن عندما تم اختراع البارود والكلاشنكوف والانشطار النووي والصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة عن بعد صار الخطر بلاحدود لاعلى وجود الإنسان وحده ولكن على الحياة بكل تجلياتها ..
ما يخيف حقا في مسيرة التطور البشري من العيش في الكهوف إلى السكنى في الفلل المعلقة هو القابلية للارتكاس..الفيل الإفريقي المنحدر من حيوان الماموث لن يعود إلى أصله والعضاءة الآسيوية العملاقة لن تنكص إلى ديناصور لاحم .. فالحياة في مستواها البيولوجي غير العاقل محكومة بغائية واضحة ومحددة..لكن على صعيد مواز يمكن لدانتي أن يتحول إلى نيرون ، ويمكن لبتهوفن أن ينقلب إلى قاتل متسلسل ، ويمكن للأم تيريزا أن تصير ماري إنطوانيت دون أن تضطر إلى تقليد قصة شعرها..
الحضارة التي أنتجت الدساتير الديمقراطية ومدونات حقوق الإنسان ومعاهدات حماية الطفولة واتفاقية كيوتو والمحميات الطبيعية ومتحف اللوفر ومكتبة الكونغرس ودور العرض والمسارح والاوبرا وسيلون ديون وفيروز وفرج المذبل وموسيقى البلوز.. هي نفسها التي ارتكبت جريمة هيروشيما ونجازاكي التي راح ضحيتها مئات الآلاف من الأطفال والنساء وهجرت شعبا بأكمله عن أرضه في فلسطين بدعاوى ميثولوجية ما انزل الله بها من سلطان .. هي نفسها الحضارة التي شاهدت بكل برود ذبح ما يقرب من مليون انسان بالسواطير في رواندا، ومازالت تشاهد شعوبا أخرى تذبح بطرائق مختلفة في اليمن وسوريا وليبيا والعراق دون أن يطرف لها جفن..
بوجود الأمم المتحدة والقانون الدولي أو في عدم وجودهما..بوجود الدولة والدستور والمؤسسات أو بدونها..سنظل تحت عصر الهمجية بلا أمل حتى ونحن نبني ناطحات السحاب على كوكب المريخ ..