جمعة بوكليب
في اللهجة المحلّية لمدن ومناطق الغرب الليبي، وأعتقد، أيضاً، لمناطق الوسط والجنوب يطلقون وصف ” خَانِبْ وخِنّابْ” على السارق. ويطلقون وصف “خِنْبة أوخنيبة” على السرقة. و”خانب” جمعها “خُنّاب، ومَخَانِبْ، وخِنّابَة.” وكنت أعتقد أن للكلمة أصلاً معجمياً عربياً، لكن لدى رجوعي للمعاجم، بقصد الاستشارة والتأكد، تبيّن لي أنها ليست عربية الأصل، وأقرب تفسير لها قابلني هو الأثر السيء أو القبيح. والمصطلح، حسبما سمعتُ مؤخراً، متداول كذلك في جنوب تونس، وبعض المناطق في الجزائر.
و”المخانبْ” لا يخلو منهم مجتمع، وهذة حقيقة. وهم كُثُر، ومتعددو الأنواع والمهام والمهارات والمواهب، ويتدرجون في المراتب، كأي حرفة. منهم الصغار، والمتوسطون، ومنهم الكبار. وبالتأكيد، فإن كل فئة من هذه الفئات الثلاث تنقسم داخلياً إلى مراتب أخرى. الصغار من “الخِنّابة” يجدهم المرءُ في كل مطرح، لكن ضررهم محدود، لأن سرقاتهم صغيرة القيمة، ولا يصاحبها عنف. فنشّال الجيوب، الذي يدخل يده خلسة في جيبك في غفلة منك ويستل محفظتك، قد يسبب لك ازعاجاً وقتياً، وربما يتركك تعاني ضائقة مالية لفترة زمنية محدودة. وبعدها تستأنف ممارسة حياتك، معتقداً أنك استوعبت الدرس، وبالتالي، تحرص أن تكون حذراً مستقبلاً. الخطورة والضرر تتزايد بين المتوسطين من “المخانب”، لأن مسروقاتهم تتجاوز ما تحتويه محفظتك من أوراق نقدية وثبوتية، وأيضاً لاحتمال لجوئهم لاستخدام العنف لدى ارتكاب سرقاتهم، أو لدى افتضاح أمرهم وقت ارتكابهم لها. وهم في العادة متخصصون في سرقات البيوت، والمتاجر، والسيارات..الخ. وفي السنوات الأخيرة، وبفضل التقدم التقني، برزت من أوساطهم فئة جديدة، بمهارات تقنية بالغة التعقيد، تتيح لهم التسلل إلى جهاز حاسوبك أو هاتفك المحمول، والاستيلاء على ما به من معلومات شخصية ويسرقون هوّيتك، ويتركونك ضائعاً، بلا أسم ولا عنوان، ولا حسابات مصرفية. قد تتمكن من استعادة ما ضاع، بمساعدة السلطات والجهات الرسمية، لكن عليك تحمل اللخبطة التي تقلب حياتك رأساً على عقب، لفترة زمنية تقصر أو تطول. وبعض من هؤلاء تخصصوا في سرقة الشركات والمصارف والمؤسسات المالية الكبرى. ولدى الفئة الأخيرة من كبار “المخانب”، فإن الأضرار تكاد تكون مهلكة. لأن أصحابها يتميزون بمزايا أهمها أنهم لاتطالهم الشكوك، بسبب مراتبهم ومناصبهم وأموالهم. وسرقات أصحاب هذه الفئة مختلفة النوع والنوعية. وفي العادة، تكتسب وصفاً آخر (بيزنس أو صفقة أو مشروع). وفي أكثر الأحوال، تتم بترخيص رسمي، لأنهم إما رجال أعمال معروفون، أومسؤولون كبار في دواوين حكومات ومؤسسات ومصارف وشركات. أضف إلى ذلك سعة معرفتهم بالقوانين وباللوائح، وامكانياتهم المالية وعلاقاتهم الاجتماعية واسعة تجعل بمستطاعهم تفادي عقوبة السجن، لقدراتهم، إن احتاجوا،على تأجير أفضل المحامين للدفاع عنهم في حالة تعرضهم للمساءلة القانونية والمحاكم، وهو أمر نادر الحدوث.
في السنوات العشرة الأخيرة، ظهرت فئة جديدة من المخانبْ، بمواصفات مختلفة. جاءوا، من كل حدب وصوب، متشعبطين في قوارب ما أطلق عليه اسم الربيع العربي حتى كادوا يغرقوها، ثم فجأة أستولوا على دفاتها. هذه الفئة الجديدة، إلى حدّ الآن، مازالت محطّ أهتمام علماء الجريمة، وعلماء النفس، وغيرهم من المتخصصين في مختلف العلوم ذات الصلة. ولم يتمّ التوصل بعد إلى تحديدهم في قوالب تخصصية تميّزهم عن غيرهم من الفئات الكلاسيكية المعروفة من المخانب، الذين استهلكتهم واستنفدتهم الدراسات الاكاديمية. الفئة الجديدة، لسوء الحظ، امتهنت سرقة الأوطان، وبلعها بما فيها وعليها. وما حدث، مؤخراً، من سعي بعضهم لشراء أصوات المجتمعين في ملتقى الحوار السياسي الليبي، في قمّرتْ، بتونس، ليس إلا مثالاً من أمثلة عديدة، على دهاء وخطورة هذه الفئة.