كتب/عبد الحكيم كشاد
صراع بني يعقوب ينتقل بين أحفاد إسماعيل !
قال تعالى :
( وإذ قال إبراهيم رب اجعل هذا بلدا آمنا ) ( قال إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لاينال عهدي الظالمين) صدق الله العظيم
* ثمة ملاحظة في دراما هذه السنة واللافت أن الصراع غالبا داخل الأسرة الواحدة، وأسباب ما تركته النساء الأمهات للأبناء من إرث في صراع الأجيال، والأهم خصيصة الانتقام الشائع إزاء الخيانات والغدر والمصالح ولو اتسعت الرؤية لتضح ما بين الماضي التاريخي والمعاصر فيما نشهده الآن من حروب دائرة بين أبناء الوطن الواحد !
“البرنس” و”خيانة عهد” وجها العملة الواحدة !
*في “ البرنس” نلتقي بإخوة أعداء من أب واحد لكن في حديث “رضوان” وهو يستعد لأخذ ثأره من إخوته غير الأشقاء تبرير ديني واضح و الغريب أن يقول أولا : (السن بالسن) وهي إشارة لتعاليم التوراة ، ومن ثم يستدل بآية من القرآن ! . *في “خيانة عهد” بعيدا عن كل حسابات يظل انتقام “عهد” سجين ذات امرأة لم تعد ترى سواه باديا في سلسلة سقوط كل الشخصيات الشريرة من حولها ،والسؤال هل تخدم هذا المعالجات الدرامية البعد الديني والقانوني والمديني التي تنتمي إليه ،أم هي عودة إلى شريعة الغاب ؟!
الصراع الصعب والخيار الأصعب !
*في هذا الزمن لتحافظ على أشيائك والذين تحبهم فقط قليلا من اللؤم لا أكثر، أبعد من ذلك يتحول إلى شر، أما إذا فقدتهم فعليك إذا ما ترتب الانتقام، أن تستخدم اللؤم على ألا تكن لئيماً في نفس الوقت ! هناك فرق، وحتى تكون أنت والحق سواء كما يقولون، ابعد عن مثالية (عطيل) بل لتكن في مراوغة ( ياغو) و براعة الليدي ماكبث طالما الشر في اللؤم متداريا ،هو لاعب جيد حين يتربّع على الساحة بكامله . دع الخير جنب الحائط مؤقتا . في حالة مسلسل (خيانة عهد) ثمة شر يكمن في الداخل من حيث المأمن ؟ لا ساحة لتلعب معه إلا من الداخل ، كيف يمكن أن تتحرك في هذه المساحة الضيقة، المكان الذي يراك من خلاله الشر وأنت لا تراه ؟ أي خيانة هذه التي تجيء من أقرب الناس إليك وكيف يكون مذاق طعمها ؟ إنها أسمج رذيلة تظهر في ثوبها الكريه !
الدموع البواقي !
* لماذا لازالت تستذر الدراما العربية دموعنا إلى اليوم بدل أن تتأمل حزننا وتتعامل معه بشكل طبيعي وهو ما ينعكس في طبيعة شعورنا. هل نحن عاطفيون إلى هذه الدرجة، وأن أقصى درجات حزننا في الدمع ؟ وهل جرعات الدموع والحزن التي تمتلئ به مسلسلاتنا ،وما تقدمه لنا الميلودرما العربية معالجات نفسية وما ماتستوجبه كما يقول أرسطو التراجيديا من تطهير؟!
عين “الفلاش باك” المتعبة
*هناك تبريرات “الفلاش باك” وهو ذاكرة الرجوع بالماضي في مسلسل “خيانة عهد” لم تكن مقنعة من حيث أخلّت بإيقاع المسلسل في بعض المشاهد وكان الغموض الملتبس ادعى وأعمق دراميا من تبرير متواصل باستخدام “الفلاش باك” كما في مشهد مروان وفرح في عيد ميلاد عهد وطرد أم عهد لهما وهما طفلان .. ولو أن كلام فرح مع شرين بعد موت هشام ربما كان مقنعا أكثر دراميا عن أفعال فرح
بالمقابل لم أصدّق النقلة الدرامية التي تعتبر مستر سين وتغيّرطبيعة تعامل “شرين” مع “عهد” في خطوات انتقامها من فرح ومروان ،وهذه عادة المسلسلات المصرية في انقلاب الشخصية المفاجئ وهوتغيّر لم يكن منطقيا في المشهد، والمبرر الذي بني عليه المشهد كان ضعيفا لو كانت بدأت تلك الشكوك من خلال “سارة” الذي كشفت مكاملة شرين وفرح لكان معقولا أو بالتهديد من خلال صور السوشال ميديا التي نشرت لها لبدأ تعامل شرين مع عهد منطقيا أيضا .
*البيت الكبير في “الندم” بين أخلاق قابيل وكيد إخوة يوسف !
* من الأعمال الرمضانية المميزة التي قدمتها الدراما السورية 2019 ( الندم ) يأتي في سياق الأعمال التي تعرض واقع ما تمربه المنطقة من أزمات وحروب وانعكاسها اجتماعيا واقتصاديا وإنسانيا من خلال اسرة ابراهيم الغول تاجر اللحوم المليونير وأبنائه في (البيت الكبير) وبكل مايعج به من تناقضات بين الإخوة، وما يقدّمه العمل رغم التفاوت مابين الغنى والفقر المدقع والطبقة المتوسطة المستورة في المدينة ماقبل الاحداث، يظل البيت الكبير النموذج المصغر لسوريا المكان وأن انفلات الأمن وتغير حياة الاستقرار على تنوعها في التناقض كان يبدو غرائبيا وسريعا وعلى المحك أيضا من وجود الإنسان كإنسان ! ينقسم البيت بين الابن الكبير الانتهازي “عبدو” الذي يداهن الأب حتى ينال مبتغاه والابن المتوسط “سهيل” الذي لم يعد يتحمل معاملة الأب له وحزازته نحو أخيه الأصغر “عروة” وهو يرى محبة الأب له ! .هذا الابن الذي لن يتورع عن فعل أي شيء حسب رأي أبيه بلغت غيرته وحقده في عمل أهوج كاد يسرق فيه مال أبيه رغم أن الغرض لم يكن السرقة مما جعل الأب يفهم حركته على أنها تعطي مؤشرا على ارتكاب أي شيء ! الابن الثالث والأصغر “عروة” المدلل الكاتب والراوي لكل الأحداث التي يمر بها المسلسل ،القلم الذي كتب والعين الذي
الذي رأت .. تلوحات قابيل قبل الجناية والمسافة من إخوة يوسف والأب الذي يتمايز قلبه والسقوط التراجيدي كما يصفه الراوي بين 2003 2011
* يبدو البيت الكبير هو الغول في محيطه الأكبر للسلطة الأبوية القاسية وامتدادها في سلطة تمثلها الدولة في الأعم والأبناء هم السوريين أنفسهم ومشارب اختلاف تطلعاتهم بين سلطة الأب والانتهازي والأحمق و الابن الأصغر الراوي الذي يبدو متاخرا في تسجيل حالة البشر والمدينة وما آلت إليه الفوضى بعد الحرب يقول الغول التاجر الثري الذي يمثل وجه السلطة الأبوي يقول لعروة عن هجر ابنه سيهل البيت : أنا شو عملت له اخوك ليش عما يبيع ! بس والله يبيع برخيص راجع يعض أصابعه ندم ! ثم مستطردا بغضب : ليش عما يشرد ؟ …. إشارة إلى عملية إخصاء صعبة ومميتة !!
* ثم ماصار حالنا فيما تبقى من أمن تحت سقف بيت آيل للسقوط حتى في أحلامنا !
علنا نواري ما بدا من شراستنا وما تغير فينا .. ويبقى السؤال من أين أتينا بكل هذا الشر وكيف صرنا كلنا طغاة ؟!
*استخدام “الفلاش باك” في المسلسل – الذي يقسّم الأحداث ما بين حاضر و ماضٍ قريب – الألوان الطبيعية فيما يستذكر من أحداث ، بينما يجسّد الحاضر بالأبيض والأسود – وهو على غير ما اعتدناه !- عبر ذاكرة كأنها الكابوس بين القصف والقتل والعزلة والنهب والفقر والكهرباء المقطوعة وسط مفردات تعيشها المدينة والبشر على السواء أيام الحرب !
رامز مجنون رسمي .. أدوار مكتوبة وثمن مدفوع !
جاءالممثلون إلى أدوارهم لا شيء مستغرب. أدوار مرسومة وثمن مدفوع ، في مثل هذه البرامج الخفيفة الظريفة ليست ثمة مفاجآت ولا ظرف طارئ، كلهم يخبرونهم بما سيحدث هكذا تكلم أكثر من نجم شارك في هذه البرامج، السؤال هل نصفق لشطارة هؤلاء لأنهم أمتعونا حتى وإن كان الكرسي المقلوب مفبركا ؟ أم يعتبر ذلك كله كذب يخرج عن طبيعة مثل البرامج التي يفترض فيها المفاجأة والظرف لدرجة أن “ايناس الدغيدي” وهي مخرجة سينمائية تقول وهي تضحك : أنها كتبت الجمل التي تبيّن أنها خايفة بنفسها وتصف هذا بالسيناريو !!
أنا لا أفهم كان الأجدى عفوية هذه البرامج مع الناس وبالناس وليس مع نجوم لازالوا يمثلون علينا حتى في برامج يفترض فيها الخفة والابتسامة بدون ادّعاء .