بقلم /عدنان بشير معيتيق
بعد ظهور ملامح الفن الحديث في بدايات القرن العشرين اصبحت هناك ذائقة بصرية اخرى تنمو وتترعرع الى جانب تلك الذائقة الكلاسيكية التقليدية المرتبطة بالشروط الدينية وقصصها في البداية عند كل الحضارات بدون استثناء الصينية واليابانية والهندية والاسلامية والمسيحية مع فارق الاختلافات الثانوية من حيث البيئة المحيطة والثقافة المرتبطة بكل حضارة ، ومن بعدها تحولات مجتمعات بسيطة زراعية الى شروط حياة الاقطاع والطبقية المجتمعية ورجال الدولة وأبطالها القوميين بعد ظهور المجتمعات الصناعية ، ومن ثم كان الاتجاه الى القواعد الاكاديمية التي تبلورت في احسن صورها نتيجة تراكمات معرفية منذ الاف السنين في دروس الرسم واكتشافات الضوء والظل والبعد والمنظور … والكيمياء والتعامل مع المواد الخاصة بالرسم من الأحجار الملونة الى الألوان الزيتية والاكريليك والاحبار وحتى الوان الطابعات والشاشات الالكترونية والواجهات الضخمة العملاقة في فنون العمارة التي تمثل الواجهة الأولى لفنون ما بعد الحداثة والتاريخ والفلسفة والأنثروبولوجيا ….وعلم النفس والتشريح والاكتشافات العلمية الحديثة من التحليل الطيفي للألوان الى نظريات الضوء الحديثة وقبلها النسبية وبعدها الكم وصولا الى النانو وغيرها ، اصبحت ذائقة جديدة تتلقى و تقيم الاعمال الفنية بحساسية اخرى ليس الاولى البدائية المتكئة على الماضي القديم بنمطية التقليد والتكرار وحتى “التفكير الدغماتي” , وربما الكثير من هذه الحالات تخلو من أي معرفة حقيقية بمفاصل التغيرات الكبرى في تاريخ الفنون وفلسفاتها التي سببت هذه التغيرات. من نتائجها الفنون المعاصر الموجودة في الوقت الراهن بالفن الجديد والذي تنوعت اشكاله من فن الرسم الى النحت والتركيبات والتجهيز في الفراغ والفيديو والكمبيوتر وفنون الشوارع بحساسية أخرى تستوجب ذائقة أخرى غير التي كانت في السابق.
كما اعترف الناقد الانجليزي في مطلع الستينات وهي سنوات الذروة للفنون المعاصرة بقوله : “اصبحت اجد بصعوبة تذوق الموجات الجديدة من الفن في تلك الايام ” لان هناك بدات دماء جديدة تضخ في شرايين الفن الجديد وافكار اخرى وحساسية شابة غير التي تربى عليها الناقد ريد .
لذا من هذا الكلام يجب الاعتراف بالذائقة الجديدة في كل مناحي الحياة من بينها الفنون وخصوصا الفنون البصرية والتي تداخل فيها فن الرسم والنحت بكل الفنون الأخرى وبالاستعانة بكل التقنيات الحديثة المتاحة للفنان.
الفن البدائي والاوت سايدر ” اللامنتمى” والمنفلت من كل قواعد الاكاديمية بداية من الفرنسي هنري روسو ومرورا بمواطنه جان دوبوفيه وصولا الى الامريكي جان ميشال باسكيات, كل هذه كانت حركات ثورية أصبحت ظاهرة في وقتها والان تكرست كأساليب واتجاهات تبعها الالاف من الفنانين وخلقت ذائقة جديدة لجمهور جديد معاصر .
فالفطرية عند الفنان الليبي الفنان الراحل محمد عبية تنحو في هذه الاتجاهات المعاصرة والتي تجد مريديها من عامة الناس البسطاء الى النخبة المثقفة بل نخبة الفنانين والنقاد بحالة السهل الممتنع .
الفنان الليبي موسى ابوسبيحة ملون جيد يتمتع بحساسية عالية في ترجمة مواضيعه الاجمل الى نصوص ملون , غير ملتزم بما يراه الناس العاديين بل دائما يركن الى مرايا الروح وما تمليه عليه ذائقته الشخصية الجديدة فكانت لوحته “غرفة فينسنت” والتي كان اللون الأصفر غوغ أصبحت عند ابوسبيحة تخلو من هذا اللون الرئيسي مستعينا بلون اخر وهو الأخضر وكانه يقول ان فنان غوغ رسم غرفته من شدة تأثير لون الحقول الأصفر هانا ارجعه الى اصله وارسم بدلا عنه الاخضر لون الحقل الأصلي في بداياته الزاهية فالفكرة مفاهيمية بالدرجة الأولى قبل ان تحاكي جماليات اللون وظلاله وشروط التكوين الأخرى والتي جاءت هامشية فلم يركز على المنظور ولا على شروط النقل الحرفي للصورة المرسومة بل كان المنظور الروحي العميق هو الغالب على العمل عند الفنان .