منصة الصباح

الحجر المنزلي.. أفقدنا جزءا من شغفنا للوظيفة

مشاهدات

كتبت : فتحية الجديدي

كان العمل المكتبي يستحوذ علي مساحة زمنية كبيرة في حياتي المهنية حيث، فضمن ذلك الحيز أقوم بممارسة عملي اليومي وتنفيذ كل المهام التي أكلف بها من قبل رؤسائي، ورغم ضيق مساحة الإبداع الشخصي بسبب كثرة المهام وتحددها والحركة المتواصلة للعمل الصحفي، إلا أنني  مع ذلك  أجد دقائق علنية لأقرأ سطور بعض الكتب التي أخذتها معي للمكتب أو أعيد تصحيح أحد نصوصي الزخمة، لأجد متنفسا نفسيا من خلالها، لكن سرعان ما تنتهي تلك الدقائق،  حتى أجد أحد الزملاء يطلب مني راجيا متابعة عملية تنفيذ أحد الصفحات، والتأكيد على بعض الزوايا والأعمدة المخصصة لكتاب الصحيفة.

لكنني حين أعود لا أجد مفاتيح النص الذي تمت مراجعته أمام برودة بعض المفردات لدرجة، أنني أعيد تغيير بعضها، فأنا من عشاق المفردة الدافئة _كل هذا وغيره من الأعمال التحريرية والإدارية الأخرى التي كان أغلبها مضنيا بعض الشيء، كالاجتماعات وإعداد الرسائل المتعلقة بالكادر التحريري ، وما يخص العمل الصحفي ومتابعة الأقسام والملاحق الأسبوعية ، ولذلك يكون يوما ثقلا نفسيا مع وجود زملائي، ومنهم أصدقائي ومن أحمل لهم الكثير من الود، وما افتقده اليوم في بيتي هي الصورة المتكاملة لفورة العمل، ومشاكسات أصحابه وغضب البعض واستنكار البعض الآخر، وهدوء أشخاص كدت لا أعرف نبرة أصواتهم، بل صوت أزرار لوحة المفاتيح للأجهزة الإلكترونية المخصصة لإدخال البيانات وتنفيذ وإخراج الصفحات الاثنتي عشرة، ونقاشاتي وتحليلاتي المتكررة مع الفني المجتهد الذي أجد فيه مجاراة ما يجوبني من حاجة للمزاح او وضع تفاسير معينة لتصرفات أصحابها لدرجة أنني أخذت مكانا دائما بجانبه ساعات المساء في مقر الصحيفة، وأعتقد أنه متيقن كم من الود أحمل له، وهو يحيطني علما بحجم جهودي أمام ما نعانيه من قلة الإمكانيات، وستنتج حبي وشغفي للعمل الذي ربما ينقص عنه  شيء، وباقي الفريق الفني بما فيه من مميزين.

العمل بالحجر المنزلي ربما أخذني لجانب أحبه وأستهويه وهو القراءة  وهذا فعلا ما أقوم به يوميا،  حتى بات وجبة ضرورية قبل الخلود للنوم، والكتابة أحيانا، وأيضا الوقوف على بعض الأمور الحياتية ومراجعتها  وإعادة بعض الحسابات من الأشياء التي أصبح لها وقت لدي، وإعادة ترتيب أنفسنا من جديد!

كان الوقت يسرقني كل يوم ولا أشعر به، مع غزواني ومحادثاتي الشبه يومية مع رئيسي المباشر، الذي منحني وقتا كافيا لسماعي ويحسن صنيع هذا الشيء “مشكورا” حتى أخرج من مكتبه وأنا متيقنة بتفهمه لي _ولو كان ذلك من باب احترازي ووفق قراءاته الخاصة _للحفاظ على مربعي المهني.

أما زملائي الذين انتظر بعضهم وقت تنفيذ ملحقه لأسعد بوجوده معنا وأخصص له وقتا مستقطعا للحديث معا، وربما للشكوى من بعض الأمور المربكة التي تزعجني ولم يعلم بها مسبقا.. أحدهم انتظر ما يجود به من كلمات وأحيانا أختفي وراء موقفه حيال تجاوز معين من أحدنا….. (أشكرك صديقي) دائما ما أقولها له،  (لا يهمك تحتوح) كان رده لي ، أما القرارات التي نأخذها نحن كهيئة تحرير تظل دائمة في أدراج مكتبي كي أرى شخوصها  قبل التوقيع عليها وتعميمها، كل هذه السياقات لم تعد موجودة بيننا الآن، واكتفينا ببراح مفتوح نشتم من خلاله رائحة الكلمات التي ربما تكون قاسية يوما وعذبة في يوم آخر، ومشاهداتي توقفت مع وجودي خلف أبواب البيت واقتصرت على الأخبار العاجلة والإعلام الذي يزيد من مستوى التوتر  وصور العالم الفارغ ، والتصاريح المقتضبة (للبروباجاندا)  فقط.

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …