قراءة تحليلية
نورالدين رمضان حبارات/ناشط اقتصادي
أقرت مؤخرا معظم حكومات دول العالم و بنوكها المركزية حزم من الخطط و البرامج لتحفيز و إنعاش إقتصادياتها التي ضربها الركود بسبب تفشي و إنتشار وباء كورونا الذي ألحق أضرار جسيمة بكافة قطاعاتها أبرزها النقل و السياحة و الصناعة و الزراعة بإعتبار هذه القطاعات هي الدعامة و الركيزة الأساسية لناتجها المحلي و التي تستوعب و توفر مئات الملايين من العاملين و فرص العمل .
و في مسعى من حكومات تلك الدول للمعالجة و الحد من تلك الأضرار فإنها رصدت و خصصت كافة الأموال و الإعتمادات الإضافية اللازمة و ذلك في إطار حزم التحفيز الإقتصادي و التي تختلف قيمها و حجمها حسب حجم و نوع إقتصاد كل دولة ، فهذه الحزم فاقت الترليون دولار في الولايات المتحدة و ألمانيا و بلغت بضعة المليارات في دول أخرى كالبحرين و تونس ، و إلى جانب ذلك و في سبيل حمايتها لمواطنيها أقرت أغلب الحكومات في إطار تلك الحزم تعويضات و إعانات مالية و إعفاءات ضريبية و تأجيل سداد اشتراكات الضمان الإجتماعي و أقساط القروض و رسوم الخدمات ، في حين شرعت بنوكها المركزية في القيام بالمهام المناط بها في ظل الأزمات من خلال إستخدام إحتياطياتها لإنعاش الإقتصاد عبر إقراض الحكومات و المصارف لتقوم الأخيرة بدورها في إقراض الشركات و الأفراد ، و بهدف تشجيع و إنجاحها لهذه السياسات خفضت تلك البنوك أسعار الفائدة إلى معدلات متدنية جدا حيث هوت أو قاربت من الصفر .
إستنفاذ الإحتياطيات و تراكم الديون
في ليبيا فإن الأمر مختلف تماما كما لو كانت خارج هذا العالم فاليوم يجب علينا أن نعترف إنه ليس لدينا حتى إقتصاد ريعي لتحفيزه بعد أن أصبح شريانه و محركه الرئيس خارج التغطية أي معطل و بعد أن أخفقت كافة الحكومات و منذ عقود في توظيفه و إستغلاله في تنويع مصادر دخل البلاد قبل أن يتحول هذا الإخفاق إلى فشل ذريع بكل المقاييس منذ 2012 م أدى في نهاية المطاف إلى إستنفاذ الإحتياطيات و تراكم الديون و تفاقم العجز المزمن في الميزانية العامة و إستنزاف للإحتياطي الأجنبي و تأكل قيمة الدينار فضلا عن إنهيار الإيرادات السيادية و إنحسار الإيرادات النفطية التي لم تعد تكفي و في أفضل أحوالها لتغطية 0:090 من فاتورة المرتبات المستحقة سنويا ، في حين تخلى مصرفها المركزي كليا و يبدو مضطرا و ليس مخيرا عن دوره المناط به في إنعاش الإقتصاد لينحصر دوره فقط اليوم في دفع المرتبات و تمويل العجز في الميزانية الناتج عن التوسع في الإنفاق العام غير المبرر حيث بناهز العجز في الترتيبات المالية للعام الحالي 2020 م قرابة 0/070 .
و من تمة فإن الحديث عن إنعاش الإقتصاد لا مجال له لإن بكل بساطة ليس لدينا قطاعات خدمية و إنتاجية فاعلة لمساعدتها و ما يعزز هذه الفرضية إنعدام مساهمة تلك القطاعات في صادرات البلاد و في تمويل ميزانيتها العامةً حيث القطاع النفطي فقط دعامتها و ركيزتها الأساسية ، لكن لدينا قطاع خاص و رغم ما عليه من مائخد و تحفظات بإعتبار جزء منه يشتغل خارج إطار الإقتصاد الرسمي فإنه و مع ذلك يستوعب الالاف من المواطنين العاملين و الذين يعولون ألاف العائلات و الآسر منهم من فقد دخله و منهم من قد يفقد حتى وظيفته في حالة إطالة أمد حالة الطوارئ و حظر التجول ، كما لدينا أعداد كبيرة من النازحين و من أصحاب المعاشات الأساسية بمختلف تصنيفاتهم إضافة إلى العاملين التابعين للشركات العامة المثعترة أو بالأحرى المنهارة و الذين لم يتقاضون مرتباتهم منذ سنوات.
الحاجة للتعويض والمساعدة
عليه.. فإن جميع تلك الفئات اليوم بحاجة ماسة للتعويض و المساعدة المالية خاصة مع إرتفاع معدلات التضخم جراء إرتفاع الدولار و زيادة الطلب على السلع و نقص المعروض منها في السوق و هذه الأسعار مرشحة للمزيد مع قرب حلول شهر رمضان، غير إن الغريب في الأمر و في الوقت الذي ينتظر فيه عامة الناس شروع الحكومة في إتخاذ إجراءات التعويض و المساعدة المالية أسوة بما تقوم به حكومات العالم فإذا بها تفكر و تخطط لإتخاد إجراءات بإستبدال الدعم و فرض ضرائب و التشاور مع المركزي بشأن مقترحه لرفع سعر ضريبة النقد الأجنبي و الذي يهدف من خلاله تقليص الطلب على الدولار و الحد من الإستنزاف للإحتياطي الأجنبي بعد أن فقد هذا الإحتياطي مصدر تمويله الوحيد و هو النفط في حين هذا المقترح سيؤدي إلى تفاقم معدلات التضخم و إرتفاع أسعار السلع سيما الأساسية منها.
تعويضات و مساعدات مالية لللتخفيف من المعاناة
و الحقيقة التي بجب أن تستوعبها الحكومة هي إن هذه المقترحات أو الإجراءات لم تعد اليوم واقعية بعد أن تجاوزها الزمن و أصبحت جزء من الماضي فالظروف اليوم ليست بالظروف خلال العام 2018 م ، كما إن أخطائها الجسيمة التي أرتكبتها من خلال برنامجها للإصلاح الإقتصادي و الذي صدرت بموجبه مجانا قرابة 30 مليار دولار حيث تحتاج الحكومة اليوم إلى ثلت هذا المبلغ لإنقاد الإقتصاد المنهار أو الذي يقف على حافة الإنهيار فإن هذه الأخطاء لا بمكن لها معالجتها بتلك المقترحات أو الإجراءات فالخطاء لا يعالج بالخطاء.
عليه و بناءا على ما تقدم و بما إن كافة المواطنين بما فيهم الفئات المذكورة سلفا قد دفعوا بطريقة غير مباشرة للحكومة قرابة 42 مليار دينار وفق بيانات رسمية في شكل ضريبة على النقد الأجنبي خلال الفثرة من سبتمبر 2018 م إلى نهاية فبراير 2020 م دون أن يتلقوا في مقابلها أي خدمات .
فإنه لزاما اليوم على الحكومة أن تنفق جزء من تلك المبالغ في شكل تعويضات و مساعدات مالية لهم للتخفيف من معاناتهم و هذه ما تقتضيه الأعراف و المبادئ الدستورية
فالشعوب تدفع الضرائب و الحكومات تقدم الخدمات .
و حيث إن الترتيبات المالية المعتمدة للعام الحالي 2020 م تضمنت تخصيص مبلغ 5 مليار دينار لباب الطوارئ فإننا نرى لا يوجد أي مانع قانوني أمام الحكومة لمباشرة إجراءات إجراءات التعويض و المساعدة عبر إستخدام جزء من هذا المبلغ بل عليها الإسراع في تشكيل اللجان المعنية بذلك و وضع الضوابط و المعايير اللازمة على أن تلتزم هذه اللجان في أعمالها بالنزاهة و الشفافية و بما يضمن إيصال التعويضات و المساعدات المالية لمستحقيها .