منصة الصباح

ابتذال‭ ‬الكلمة‭ ‬ووأد‭ ‬المعنى

عمق

بقلم /علي‭ ‬المقرحي
إن‭ ‬أوضح‭ ‬علامات‭ ‬جهل‭ ‬المتماحكين‭ ‬حول‭ ‬الاسلام‭ ‬والعلمانية‭ ‬بهما‭ ‬،‭ ‬هو‭ ‬ذلك‭ ‬الاسفاف‭ ‬والتدني‭ ‬في‭ ‬مستوىز‭ ‬الحوار‭ ‬الذي‭ ‬يخوضون‭ ‬فيه‭ ( ‬حوار‭ ‬مجازاً‭ ‬أما‭ ‬في‭ ‬الواقع‭ ‬فهو‭ ‬عراك‭ ‬بأشد‭ ‬الصيغ‭ ‬ابتذالاً‭ ‬وتهافتاً‭ ) ‬،‭ ‬إذ‭ ‬لا‭ ‬يعقل‭ ‬أن‭ ‬ينطوي‭ ‬حوار‭ ‬بين‭ ‬عقلاء‭ ‬،‭ ‬ومفترض‭ ‬أنه‭ ‬عقلاني‭ ‬ومتزن‭ ‬،‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬الترسانات‭ ‬من‭ ‬السباب‭ ‬والشتائم‭  ‬،‭ ‬ومن‭ ‬النعوت‭ ‬التبخيسية‭ ‬والتهم‭ ‬المغرضة‭ ‬والإدانات‭ ‬المجانية‭ ‬المتراوحة‭ ‬بين‭ ‬التخوين‭ ‬والتكفير‭ ‬والوصم‭ ‬المتبادل‭ ‬بالعمالة‭ ‬وبالتخلف‭ .‬
إن‭ ‬من‭ ‬خصائص‭ ‬الجهل‭ ‬‮«‬‭ ‬والجاهل‭ ‬تبعاً‭ ‬له‭ ‬‮«‬‭ ‬بدائية‭ ‬تصور‭ ‬الوجود‭ ‬والحياة‭ ‬وضبابية‭ ‬معانيهما‭ ‬وقيمهما‭ ‬لديه‭ ‬،‭ ‬إضافة‭ ‬إلى‭ ‬فقره‭ ‬المعرفي‭ ‬بالهدف‭ ‬المشترك‭ ‬الذي‭ ‬قد‭ ‬يضيق‭ ‬الشقة‭ ‬بينه‭ ‬وبين‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬والمغاير‭ ‬،‭ ‬وبذا‭ ‬فهو‭ ‬لا‭ ‬يرى‭ ‬في‭ ‬الحوار‭ ‬فرصة‭ ‬لحل‭ ‬المآزم‭ ‬والاشكاليات‭ ‬التي‭ ‬تعرقل‭ ‬العيش‭ ‬المشترك‭ ‬والشراكة‭ ‬المجتمعية‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬ينطلق‭ ‬من‭ ‬فهم‭ ‬قاصر‭ ‬وضيق‭ ‬الإفق‭ ‬يوهمه‭ ‬بأن‭ ‬لا‭ ‬معنى‭ ‬للعيش‭ ‬المشترك‭ ‬وللشراكة‭ ‬المجتمعية‭ ‬إلا‭ ‬في‭ ‬حدود‭ ‬تبعية‭ ‬الآخر‭ ‬المختلف‭ ‬له‭ ‬وتبنيه‭ ‬لرؤيته‭ ‬هو‭ ‬الخاصة‭ ‬،‭ ‬وإلا‭ ‬فإن‭ ‬ذلك‭ ‬الآخر‭ ‬يصير‭ ‬لديه‭ ‬مجرد‭ ‬كبش‭ ‬فداء‭ ‬لجهله‭ ‬ومآزمه‭ ‬وإخفاقاته‭ . ‬ومؤكدا‭ ‬لكل‭ ‬ذي‭ ‬عقل‭ ‬أنه‭ ‬لا‭ ‬الاسلام‭ ‬ولا‭ ‬العلمانية‭ ‬يدعوان‭ ‬إلى‭ ‬ذلك‭ ‬ولا‭ ‬يبررانه‭ ‬،‭ ‬ولا‭ ‬يقبلان‭ ‬به‭  ‬أيضاً،‭ ‬بل‭ ‬يناقضانه‭ ‬ويرفضانه‭ ‬رفضاً‭ ‬مطلقاً‭ .‬
‭  ‬ورفض‭ ‬الاسلام‭ ‬والعلمانية‭ ‬لما‭ ‬يرتكب‭ ‬باسمهما‭ ‬من‭ ‬ممارسات‭ ‬وما‭ ‬يروج‭ ‬من‭ ‬أفكار‭ ‬متخلفة‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬يثور‭ ‬ويدور‭ ‬من‭ ‬مماحكات‭ ‬ومعارك‭ ‬دونكيشوتية‭ ‬،‭ ‬يرشّح‭ ‬من‭ ‬يصر‭ ‬على‭ ‬تلك‭ ‬السلوكيات‭ ‬الجانحة‭ ( ‬إن‭ ‬على‭ ‬مستوى‭ ‬الفكر‭ ‬أو‭ ‬القول‭ ‬أو‭ ‬السلوك‭ ) ‬لأن‭ ‬يكون‭ ‬مستحقاً‭ ‬الشفقة‭ ‬والسخرية‭ ‬معاً‭ ‬،‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬ما‭ ‬بين‭ ‬الشفقة‭ ‬والسخرية‭ ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬وتناقض‭ . ‬لأنه‭ ‬ببساطة‭ ‬ضحية‭ ‬جهله‭ ‬بذاته‭ ‬وبهما‭ ‬معاً‭ ‬‮«‬‭ ‬الاسلام‭ ‬والعلمانية‭ ‬‮«‬‭  ‬وضحية‭ ‬جهله‭ ‬بمن‭ ‬وبما‭ ‬يجد‭ ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬الجهل‭ ‬حياته‭ ‬وديمومته‭ ‬،‭ ‬ويشجعه‭ ‬على‭ ‬اتباعه‭. ‬ويحضه‭ ‬على‭ ‬التشبث‭ ‬به‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬ذلك‭ ‬إلّا‭ ‬النزوعات‭ ‬الاستحواذية‭ ‬التسلطية‭ ‬،‭ ‬وما‭ ‬تقتضيه‭ ‬وتفرضه‭ ‬على‭ ‬من‭ ‬يخضع‭ ‬لها‭ ‬وينساق‭ ‬مع‭ ‬وسوساتها‭ ‬في‭ ‬منحدر‭ ‬انحيازات‭ ‬متدنية‭ ‬تتبدى‭ ‬في‭ ‬أجلى‭ ‬تمظهراتها‭ ‬في‭ ( ‬الأنانية‭ ) ‬الفردية‭ ‬القميئة‭ ‬والمقيته‭ ‬،‭ ‬والمتورمة‭ ‬إلى‭ ( ‬نحن‭ ) ‬أشد‭ ‬قماءة‭ ‬وأكثر‭ ‬استحقاقاً‭ ‬للمقت‭ .‬
لينتهي‭ ‬إلى‭ ‬سقوط‭ ‬مريع‭ ‬لا‭  ‬تُقيل‭ ‬منه‭ ‬ولا‭ ‬تملك‭ ‬أن‭ ‬تنفيه‭ ‬إدعاءات‭ ‬وهمية‭ ‬من‭ ‬قبيل‭ ( ‬أنا‭ ‬الأفضل‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬أنا‭ ‬الأعلم‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬أنا‭ ‬الأغنى‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬نحن‭ ‬الشعب‭ ‬المختار‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬نحن‭ ‬خير‭ ‬أمة‭ ‬أخرجت‭ ‬للناس‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬نحن‭ ‬أفضل‭ ‬الأجناس‭ ‬البشرية‭ ‬،‭ ‬أو‭ ‬أو‭ ‬أو‭ ) .‬
وذلك‭ ‬السقوط‭ ‬المخزي‭ ‬هو‭ ‬ماجاء‭ ‬الإسلام‭ ‬والعلمانية‭ ( ‬كلاً‭ ‬وفقاً‭ ‬لواقعه‭ ‬وظروف‭ ‬نشأته‭ ‬وظهوره‭  ) ‬ليقيل‭ ‬الإنسان‭ ‬منه‭ ‬،‭ ‬بل‭ ‬وليقيه‭ ‬من‭ ‬التردي‭ ‬فيه‭ ‬بتذليل‭ ‬الصعاب‭ ‬وازالة‭ ‬شراك‭ ‬الطريق‭ ‬التي‭ ‬تعرقل‭ ‬سيره‭ ‬في‭ ‬إتجاه‭ ‬التسامي‭ ‬والرقي‭  ‬،‭ ‬فبمعزل‭ ‬عما‭ ‬يبدو‭ ‬ظاهراً‭ ( ‬وما‭ ‬يضَخَّم‭ ‬عنوة‭ ‬لحساب‭ ‬من‭ ‬يضخمونه‭ ) ‬من‭ ‬اختلاف‭ ‬وتناقض‭ ‬بين‭ ‬الاسلام‭ ‬والعلمانية‭ ‬،‭ ‬فلا‭ ‬بد‭ ‬لنظر‭ ‬موضوعي‭ ‬من‭ ‬الإقرار‭ ‬باتفاقهما‭ ‬على‭ ‬هدف‭ ‬سام‭ ‬مشترك‭ ‬هو‭ ‬إفساح‭ ‬طريق‭ ‬الانسان‭ ‬إلى‭ ‬التحرر‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬ما‭ ‬يسعى‭ ‬إلى‭ ‬استعباده‭ ‬واستلابه‭ ‬معاني‭ ‬وقيم‭ ‬وجوده‭ ‬وحياته‭ ‬وإغراقه‭ ‬في‭ ‬أسر‭ ‬ظلامية‭ ‬الفكر‭ ‬وعبثية‭ ‬الوجود‭ ‬وتفاهة‭ ‬الحياة‭ ‬،‭ ‬ولعلنا‭ ‬عند‭ ‬هذه‭ ‬النقطة‭ ‬تحديداً‭ ‬نقع‭ ‬على‭ ‬الفوارق‭ ‬بين‭ ‬الإسلام‭ ‬والعلمانية‭ ‬والتي‭ ‬تؤكد‭ ‬على‭ ‬خصوصية‭ ‬كل‭ ‬منهما‭ ‬وتميزه‭ ‬عن‭ ‬الآخر‭ ‬،‭ ‬وتؤكد‭ ‬اتفاقهما‭ ‬على‭ ‬ذلك‭ ‬الهدف‭ ‬السامي‭ ‬ولا‭ ‬تنفيه‭ ‬مثلما‭ ‬يزعم‭ ‬الجاهلون‭ ‬بهما‭ ‬،‭ ‬ففيما‭ ‬اختار‭ ‬الاسلام

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …