منصة الصباح

‮«‬الليبية‮»‬‭ .. ‬صفعة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬الجاهل‭ ‬

دفق

بقلم /سعاد‭ ‬الوحيدي
ما‭ ‬فتئت‭ ‬مقولة‭ ‬شاعر‭ ‬الأرجنتين‭ ‬الكبير‭ ‬خورخي‭ ‬بورخيس‭:‬‮»‬طالما‭ ‬تصورت‭ ‬الجنة‭ ‬على‭ ‬هيئة‭ ‬مكتبة‮»‬،‭ ‬تفترش‭ ‬مخيلتي،‭ ‬خلال‭ ‬إقامتي‭ ‬المزمنة‭ ‬بين‭ ‬رفوف‭ ‬مكتبات‭ ‬العالم‭. ‬ثمة‭ ‬دفق‭ ‬غامر‭ ‬من‭ ‬البهجة‭ ‬يكتسح‭ ‬الروح‭ ‬أمام‭ ‬مطلع‭ ‬كتاب،‭ ‬أو‭ ‬مطبوعة‭. ‬في‭ ‬ذلك‭ ‬انتصار‭ ‬جميل‭ ‬على‭ ‬العتمة،‭ ‬يأتي‭ ‬من‭ ‬عمق‭ ‬النور‭ ‬كنجم‭ ‬مُضاف‭ ‬يُطرز‭ ‬الليل‭. ‬والذي‭ ‬يقاوم،‭ ‬وفق‭ ‬مقولة‭ ‬أخرى‭ ‬لبورخيس،‭ ‬قبح‭ ‬هذا‭ ‬العالم‭:‬‮»‬فكل‭ ‬إضافة‭ ‬للمكتبة،‭ ‬هي‭ ‬صفعة‭ ‬في‭ ‬وجه‭ ‬العالم‭ ‬الجاهل،‭ ‬وترفع‭ ‬عن‭ ‬أميته‭ ‬وخفته‮»‬‭. ‬هكذا‭ ‬استشعرت‭ ‬إطلالة‭ ‬مجلة‭ ‬‮«‬الليبية‮»‬،‭ ‬عن‭ ‬الهيئة‭ ‬العامة‭ ‬للصحافة‭. ‬والتي‭ ‬أخذت‭ ‬في‭ ‬سرعة‭ ‬الصحوة،‭ ‬تجذر‭ ‬في‭ ‬تربة‭ ‬قاحلة‭ (‬جُرِّدت‭ ‬خلال‭ ‬فترة‭ ‬عصيبة‭ ‬من‭ ‬كل‭ ‬نبت‭ ‬أو‭ ‬شجر‭)‬،غابة‭ ‬من‭ ‬الياسمين‭ ‬والورد‭ ‬والزعتر‭.‬
ومجلة‭ ‬‮«‬الليبية‮»‬‭ ‬تتعهد‭ ‬منذ‭ ‬الإفتتاحية،‭ ‬بالأنتصار»للتنوع‭ ‬الليبي‭ ‬الخلاق‮»‬‭ ‬الذي‭ ‬من‭ ‬شأنه‭ ‬أن‭ ‬يصنع‭ ‬الفرق‭. ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬التسأول‭ ‬عن‭ ‬جدوى‭ ‬المغامرة‭ ‬بإخراج‭ ‬مطبوعة‭ ‬ورقية،‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬الإعلام‭ ‬الافتراضي‭. (‬وحيث‭ ‬يعطي‭ ‬العدد‭ ‬مساحة‭  ‬للحفر‭ ‬حول‭ ‬قلق‭ ‬‮«‬السوشيال‭ ‬ميديا‮»‬‭/ ‬والعوالم‭ ‬الافتراضية‭).‬‭ ‬وذلك‭ ‬رغم‭ ‬حتمية‭ ‬أصالة‭ ‬وثبات‭ ‬الحاجة‭ ‬للصحافة‭ ‬الورقية‭. ‬فثمة‭ ‬بين‭ ‬الإنسان‭ ‬والكتاب‭/‬والورق‭ ‬المكتوب،‭ ‬تلاحم‭ ‬أزلي،‭ ‬مدهش،‭ ‬هو‭ ‬إمتداد‭ ‬للذاكرة‭ ‬والمخيلة‭ ‬على‭ ‬رأي‭ ‬بورخيس‭. ‬لا‭ ‬يعوضه،‭ ‬ولا‭ ‬يلغيه‭ ‬إدمان‭ ‬البصر‭ ‬لشاشات‭ ‬الأجهزة‭ ‬الذكية‭.‬
وقد‭ ‬جاءت‭ ‬‮«‬الليبية‮»‬‭ ‬حبلى‭ ‬بالوعد،‭ ‬وإن‭ ‬عابها‭ ‬جمال‭ ‬مفرط‭ ‬لحلتها،‭ ‬والوطن‭ ‬يتوسد‭ ‬الساعة‭ ‬أوجاعه‭. ‬وعابها‭ ‬غياب‭ ‬أخبار‭ ‬المناضلات‭ ‬الليبيات،‭ (‬وإن‭ ‬إهتمت‭ ‬بثائرات‭ ‬لبنان‭). ‬أو‭ ‬أخبار‭ ‬العاملات‭ ‬الكادحات‭…. ‬وكأن‭ ‬المجلة‭ ‬أختارت‭ ‬مساراً‭ ‬برجوازياً‭ ‬متعالياً‭ ‬عن‭ ‬وجع‭ ‬‮«‬ملح‭ ‬الأرض‮»‬،‭ ‬وإنجّرت‭ ‬لمنحى‭ ‬تشييء‭ ‬للمرأة،‭ ‬وديكتاتورية‭ ‬المظهر‭….‬
كما‭ ‬عابها‭ ‬تناقض‭ ‬عنوان‭ ‬مقال‭ ‬الغلاف‭ ‬مع‭ ‬المتن‭. ‬بين‭ ‬تأكيد‭ ‬المُحتفي‭ ‬بها،‭ ‬على‭ ‬أنها‭ ‬لا‭ ‬تبحث‭ ‬عن‭ ‬تسويق‭ ‬نفسها،‭ ‬وإكتساح‭ ‬صورها‭ ‬الشخصية‭  ‬لمساحة‭ ‬المقال‭. ‬حتى‭ ‬بات‭ ‬أقرب‭ ‬لتسويق‭ ‬‮«‬ألبوم‭ ‬دعائي‮»‬،‭ ‬من‭ ‬الخطأ‭ ‬تمريره‭ ‬في‭ ‬مطبوعة‭ ‬تعود‭ ‬ميزانيتها‭ ‬للمال‭ ‬العام‭.‬
ولكن،‭ ‬لن‭ ‬يقلق‭ ‬العدد‭ ‬الصفر‭ ‬أخطاؤه،‭ ‬وهو‭ ‬يمشي‭ ‬الهوينا‭ ‬في‭ ‬خطوات‭ ‬طفل،‭ ‬والتي‭ ‬وأن‭ ‬بدأت‭ ‬متعثرة،‭ ‬فهي‭ ‬لا‭ ‬تبعث‭ ‬في‭ ‬القلب‭ ‬غير‭ ‬بهجة‭ ‬كونية،‭ ‬يصعب‭ ‬على‭ ‬أجهزة‭ ‬القياس‭ ‬رصد‭ ‬عمقها،‭ ‬أو‭ ‬أبعادها‭. ‬وقد‭ ‬تزركش‭ ‬العدد‭ ‬بمقالات‭ ‬ذات‭ ‬قيمة‭ ‬كتابية‭ ‬عالية،‭ (‬وأخرى‭ ‬ذات‭ ‬شأن‭ ‬أقل‭). ‬مثال‭ ‬الوقفة‭ ‬التحليلة‭ ‬لآليات،‭ ‬وأرضية‭ ‬عمل‭ ‬مؤسسات‭ ‬المجتمع‭ ‬المدني،‭ ‬وعلاقتها‭ ‬بالمنظمات‭ ‬العالمية‭ ‬المانحة‭. (‬الموضوع‭ ‬الذي‭ ‬يحمل‭ ‬أهمية‭ ‬خاصة‭ ‬من‭ ‬حيث‭ ‬الخلفية‭ ‬السيادية،‭ ‬والقيمية‭/‬الأخلاقية،‭ ‬وضرورات‭ ‬تحديد‭ ‬ضوابط‭ ‬هذا‭ ‬الفضاء‭ ‬الجديد‭). ‬كذلك‭ ‬البحث‭ ‬الإستقصائي‭ ‬عن‭ ‬العلاقة‭ ‬المعقدة‭ ‬بين‭ ‬الهجرة‭ ‬غير‭ ‬الشرعية،‭ ‬وتوظيف‭ ‬المهاجرات‭ ‬بطرق‭ ‬ملتوية،‭ ‬وخطيرة‭ ‬كعاملات‭ ‬في‭ ‬البيوت‭…‬كما‭ ‬يبحر‭ ‬العدد‭ ‬بالقارئ،‭ ‬في‭ ‬ملف‭ ‬ثقافي‭ ‬كبير‭ ‬وثري،‭ ‬نحو‭ ‬فضاءات‭ ‬جمالية‭ ‬واسعة‭ ‬ومتعددة‭. ‬تناولت‭ ‬الفن‭ ‬التشكيلي‭ ‬والابداع‭ ‬والتمثيل‭.. ‬وكذلك‭ ‬فضاء‭ ‬خرافي‭ ‬ورائع‭ ‬للشعر‭. (‬الزاوية‭ ‬التي‭ ‬أخذتني‭ ‬لسموات‭ ‬من‭ ‬الرونق،‭ ‬على‭ ‬جناح‭  ‬من‭ ‬دفق‭ ‬كلم‭ ‬عذب‭ ‬الجنون‭).‬
‭ ‬وإختم‭ ‬هنا،‭ ‬بالتشديد‭ ‬على‭ ‬القيمة‭ ‬الجمالية‭/ ‬والمهنية‭ ‬لتلك‭ ‬اللمسة‭ ‬التحررية‭ ‬الموحدة،‭ ‬والتي‭ ‬أصبغت‭ ‬على‭ ‬العدد‭ ‬تكاملية‭ ‬إستثنائية‭. ‬وقد‭ ‬بدأت‭ ‬كغطاء‭ ‬من‭ ‬حرير،‭ ‬لا‭ ‬يغفله‭ ‬العقل‭ ‬ولا‭ ‬القلب‭.‬
‭ ‬وكذلك‭ ‬للمسة‭ ‬الوفاء‭ ‬العميقة‭ ‬التي‭ ‬خَص‭ ‬بها‭ ‬بورتريه‭ ‬العدد‭ ‬آخر‭ ‬السورياليين‭ ‬الليبيين،‭ ‬شاعر‭ ‬‮«‬بلد‭ ‬الطيوب‮»‬،‭ ‬الراحل‭ ‬على‭ ‬صدقي‭ ‬عبد‭ ‬القادر‭. ‬الوقفة‭ ‬التي‭ ‬تذكرنا‭ ‬بإن‭ ‬الكلمة‭ ‬في‭ ‬زمن‭ ‬القمع‭ ‬قد‭ ‬تقود‭ ‬للسجن،‭ ‬وإن‭ ‬الكلمة‭ ‬ذاتها،‭ ‬إذا‭ ‬ما‭ ‬أنتفى‭ ‬القمع،‭ ‬قد‭ ‬تصنع‭ ‬إنعتاق‭ ‬شعوب‭ ‬بإكماله‭ ‬من‭ ‬إي‭ ‬سجن‭. ‬وإن‭ ‬أنشودته‭ (‬التي‭ ‬ما‭ ‬أنفكت‭ ‬ترافقني‭ ‬كتعويذة‭ ‬وصل‭ ‬بالوطن‭)‬،‭ ‬من‭ ‬شأنها‭ ‬أن‭ ‬تذكرنا‭ ‬اليوم‭ ‬بأن‭ ‬ليبيا‭ ‬تجمعنا‭ (‬جميعنا‭) ‬بالحب‭ ‬والطيوب،‭ ‬وإن‭: ‬
‮«‬الليل‭ ‬في‭ ‬بلادي‭ ‬تواشيح‭ ‬غناء
وقباب‭ ‬قريتنا‭ ‬حكايات‭ ‬الإباء
وبيوتنا‭ ‬الأقراط‭ ‬في‭ ‬أذن‭ ‬السماء‭ ‬
بلدي‭ ‬ملاعب‭ ‬أنجم‭ ‬تأتي‭ ‬المساء
لتقول‭ ‬هذي‭ ‬ليبيا‭ ‬بلد‭ ‬الضياء‮»‬‭.‬

شاهد أيضاً

كتاب “فتيان الزنك” حول الحرب والفقد والألم النفسي

خلود الفلاح لا تبث الحرب إلا الخوف والدمار والموت والمزيد من الضحايا.. تجربة الألم التي …